Sunday, November 27, 2016

لمحة سريعة حول الحركة النسوية



لمحة سريعة حول الحركة النسوية

آلاء أبوناجي, مراجعة مي عبد الوهاب

تمهيد:

ماذا تريد الحركة النسوية في وقت تمكنت فيه الكثير من النساء من الخروج إلى العمل، وتحقيق أعلى المناصب وفي مختلف المجالات؟
هذا السؤال المكرر يطرحه الكثير ممن تجاوز مرحلة العداء الإيجابية الأولى التي تفهم النسوية بأنها حركة معادية وكارهة للرجال، هدفها قلب الآية وجعل الرجال عبيدًا للنساء. فلحسن الحظ/ أو سوءه ، يقع معظم الرجال – وحتى النساء- في هذه الخانة الرمادية فهم ليسوا نسويين ولكنهم في نفس الوقت غير عنيفين في تصورهم للنسوية، معظم من في هذه الخانة لديهم نقص في الإحاطة بأهداف النسوية و عدم فهم مصطلحها بالأساس ، فالسؤال نفسه يطرح فرضيات خاطئة كثيرة سنفندها في هذا المقال، واحدة تلو الأخرى بالتعريف عن النسوية.

ما هي النسوية؟

 اختلفت التعريفات ولكن لم يختلف جوهرها، وهو أنها حركة تسعى للمساواة التامة بين الرجل والمرأة سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وكل الأصعدة التي تدار فيها الحياة. من هذا التعريف ينبثق أول مغلوط في هذا السؤال وهو، افتراض أن غاية المرأة من كونها نسوية هو أن تخرج إلى العمل لتنافس الرجال وتحقق ذاتها. نعم، إن تحقيق الذات من خلال العمل هو من ضمن الأهداف الرئيسية للنسوية ولكنه ليس الغاية الأولى لها، ولا تحصل المساواة اتوماتيكيا فور حصولها على حق العمل، فهناك عوامل أخرى يتم بها اضطهاد المرأة خلال العمل نفسه، وهو ما يحصل حاليًا بتدني مستويات الأجر، والتمييز بشكل عام ضدها في بيئة العمل. فالنسوية ليست حركة تهدف إلى تغيير سطحي للأوضاع، بل تهدف إلى إزالة كافة المعوقات التي تعترض طريق المرأة وهي معوقات كثيرة، ما إن يتم انتزاع واحد منها حتى تظهر عوائق أكثر راكمها الزمن والتاريخ، والقوانين، والنظام الأبوي بصفة عامة.

ماذا يعني مصطلح الأبوية / البطريركية الذي يتم تكراره دائما في مواضيع النسوية؟
 الأبوية على صعيد كلي (ماكرو)، هي سلطة ذكورية تبنى عليها المجتمعات، وتحكم علاقات الأفراد ببعضهم وتتحكم عليهم باستخدام كل أنواع السلطة الممكنة التي يوفرها ذلك المجتمع من مؤسسات قانونية، دينيةـ عرفية ومدنية، وغيرها. وعلى صعيد أصغر (مايكرو) تتمثل الأبوية في سلطة الأب على ابنته، الأخ على أخته، الزوج على زوجته، أو أي ذكر على أنثى بسبب الامتياز الجنسي له كذكر. هناك عدة تيارات للحركة النسوية، وتدرك معظمها أن النظام الأبوي هو السبب الرئيسي في الوضع الأدنى للمرأة، ولكنها تختلف في طرق مواجهتها له، فمن هذه الحركات من تدعو إلى العمل بداخل هذا النظام لنيل الحقوق المسلوبة كالحركة النسوية الليبرالية ومنهن من تدعوا إلى هدم المؤسسة الأبوية بكاملها لبناء أخرى بديلة، كالراديكالية وغيرها.

أبرز المدارس النسوية:

النسوية الماركسية: تستقي أفكارها من كارل ماركس الذي ترتبط أفكاره باستغلال طبقة أصحاب رؤوس الأموال لطبقة العمال فكذلك ترى النسوية الماركسية استغلال المجتمعات للنساء، فيتم استغلال جهودهن خارج المنزل وداخله من غير مقابل. بل ترى أن أوضاعها أسوأ من أوضاع العمال فهؤلاء على الأقل لديهم نقابات عمالية يتقابلون فيها بعد العمل لمناقشة أوضاعهم، بينما تهرع النساء إلى بيوتها لاستكمال مشاغلها المنزلية، مما يجعل تعاونهن تحت مظلة واحدة من المستحيلات. تعمل النسوية الماركسية على إحداث تغيير مجتمعي كامل لا على تغير الفرد فقط ليصبح الاقتصاد المنزلي وتربية الأطفال مهمة يشترك فيها المجتمع بأكمله[1]، لا الأسرة النووية الصغيرة التي تضمن كون الأب العائل الاقتصادي الأول وبالتالي المسيطر اجتماعيا، وعند تحقيق المساواة الاقتصادية بتحرر المرأة من العبء الكامل لتربية الأطفال والأعمال المنزلية الغير مدفوعة، ستصبح المرأة مساوية للرجل وتكون العلاقة القائمة بينها علاقة حب خالصة لا علاقة انتفاع متبادل.

النسوية الليبرالية: تيار يركز على المرأة كفرد، وعلى إمكانية حصولها على حقوقها من خلال جهدها واختياراتها وتفاعلها مع المجتمع، عندما يؤمن لها القانون الحرية لذلك. تركز النسوية الليبرالية على دفع مؤسسات الدولة لضمان حقوق المرأة عن طريق السياسة والقانون، لا على تغيير البنية الاجتماعية ككل.

النسوية الراديكالية: ترجع سبب اضطهاد المرأة إلى الجنس، وحصر دورها المجتمعي له وللإنجاب. تعتقد النسوية الراديكالية أن سبب الاضطهاد ليس النظام الرأسمالي بل الأبوي الذي يمارس سيطرته على النساء كافة حول العالم ، بغض النظر عن طبقتهن. تفسر النسوية الراديكالية الثقافات الموجودة حاليا بأنها  ثقافة رجولية بحتة للرجال ، وثقافة نسائية مهيمن ومتحكم بها من قبل الرجال. تعمل النسوية الراديكالية على نسف هاتين الثقافتين لخلق ثقافة نسوية خالصة من قبل النساء حيث يتمكن من استعادة أجسادهن وكيانهن كاملا. تتماشى النسوية الراديكالية جنبًا إلى جنب مع الحركة النسوية للنساء السوداوات كما تتقاطع أهدافها مع حركة دعم المثليين، لأنها كما أسلفنا ترى أصل الاضطهاد هو في العلاقة الجنسية الغير متكافئة بين الرجل والمرأة، فتأتي العلاقة المثلية لتقدم مثالا جديدا مختلف عن علاقات السيطرة والطاعة التقليدية بين الرجل والمرأة.

تيارات واتجاهات:

توجد تيارات أخرى عديدة منبثقة من الثلاث مدارس السابقة وأخرى ثقافية وبيئية ذات تصور جديد للاضطهاد التاريخي للمرأة، منها:

النسوية البيئية: تعني ربط استغلال الطبيعة باستغلال النساء، وان المرأة (المشبهة بالطبيعة في معظم المعتقدات والخرافات الدينية) تتعرض لنفس أنماط الاستغلال التي تتعرض لها الموارد الطبيعية على يد النظام الرأسمالي ورجاله. فما يحصل من إهدار، وتلويث، واستغلالها لمنفعة الرجال والمصانع هو ما يحدث تماما للمرأة. تصاعد هذا التيار في الثمانينات على يد الهندية فاندانا شيفا[2] مع ازدياد الكوارث البيئية، وارتفعت شعبيته في بلدان العالم الثالث حيث الدمار البيئي في أقصاه، والذي أثر على حياة الكثير من النساء هناك الذين عانوا بشكل مباشر منه. وبالتالي، لا يمكن لغير ثقافة سلمية، معادية للرأسمالية ومحترمة للشعوب والطبيعة، أن تلغي الاستغلال والتمييز اللذين تتعرض لهما نساء الكون.

النسوية الاشتراكية: تيار نسوي بدأ في الظهور في سبعينات القرن الماضي خلال الموجة النسوية الثانية  التي سنذكرها ببعض من التفصيل فيما بعد. يعتقد أن اضطهاد النساء حاليا هو نتيجة تضافر النظام الأبوي والرأسمالي معًا. فهو بالتالي يربط البنية الاجتماعية بالبنية الاقتصادية. فيدمج جزء من الرؤية الماركسية مع القليل من الرؤية الراديكالية، لكنه لا يعترف بالنوع ( الجندر[3]) كسبب رئيسي للاضطهاد.

التمرحل التاريخي للحركات النسوية (الحراك السياسي):

لقد مرت النسوية بثلاث موجات رئيسية تنوعت فيها مطالب النسويات. فقد بدأت بالمطالبة بالحقوق الرئيسية كحق الانتخاب وحاليًا تعمل النسوية باستعادة كافة الحقوق الإنسانية للمرأة.

الموجة النسوية الأولى: بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، وكان هدفها التخلص من معاناة المرأة في البيئة المدنية الصناعية الليبرالية. وقد استقت المطالبات بحق النساء بالاقتراع والحضانة والملكية من أطروحة ماري ويلنستون كرافت "دفاع عن حقوق المرأة: القيود السياسية والأخلاقية" التي كتبت منذ أكثر من قرن تحديدا في عام 1792. وقد ترافقت الدعوة لحقوق المرأة مع حركة تحرير العبيد.

الموجة النسوية الثانية: بدأت في الستينات من القرن العشرين واستمرت إلى نهايته. كانت هذه الموجة مختلفة عن مثيلتها الأولى لأنها خرجت من نطاق النساء البيض في الدول الصناعية الأولى وانتشرت حول العالم. كما أن الجنسانية وحقوق الإنجاب كانا على رأس مطالب هذه الموجة التي كانت أكثر راديكالية من الموجة الأولى. شهدت هذه الموجة ظهور شعارات مثل " كل ما هو شخصي هو سياسي" و" صراع المرأة هو صراع الطبقات" فقد أدركت النسويات أن الصراعات الشخصية المتمثلة بحقوق الزواج والإنجاب والجنس انعكاس لوضعهم السياسي والاقتصادي المتدني. وهذا ما أشادت به بيتي فريمان في كتابها " الغموض الأنثوي"حيث ربطت تحرر المرأة من أدوارها الخاصة سيؤدي إلى نقلهن للمجال العام. وانتقدت سيمون دي بوفوار في كتابها "الجنس الآخر" مقولة شهيرة رددت في القرن التاسع عشر وهي " أن النساء مساويات ولكن مختلفات عن الرجال" واعتبرتها مسببة لإعادة إنتاج سبل الاضطهاد للمرأة والأقليات، مثلما حدث مع قوانين الفصل العنصري للسود بناءً على الاعتقاد في اختلافهم جينيًا، ونفسيًا، وعقليًا.

الموجة النسوية الثالثة "ما بعد الحداثة": وهي الموجة السائدة في العصر الراهن حيث تبنت هذه الموجة تفكيك كل الرموز والقوالب وتدمير الأنساق المعهودة، وخلق إمكانيات مختلفة للوجود. فعملت على التميز الإيجابي بين الذكر والأنثى بالإصرار على وجود فروق بينهما بيولوجية، نفسية، الخ..[4] ، مع المطالبة بالندية والمساواة في الأهلية. و ما تريده الموجة النسوية الثالثة هو زعزعة الثنائية الضدية التي بنى عليها النظام الأبوي منهجه ( أعلى-أسفل، أسود-أبيض، موجب-سالب). مما يخلق المساحة للذكور والإناث على حد سواء لصنع الذات المبدعة الخارجة عن التصنيف الثنائي للأشياء. 

خاتمة:  
عودة إلى السؤال المطروح في بداية المقال، ماذا تريد النسوية في وقت خرجت فيه النساء إلى العمل ووصلن إلى مناصب مهمة؟  يبدو الجواب بعيدًا عن النجاح عند الإحاطة بأنواع الاضطهاد الموجودة. فكما نرى مما سبق، أن افتراض أن النساء قادرات على الوصول إلى أعلى المناصب لتوفر نماذج ناجحة، هو افتراض مبني على فرضية تكافؤ الفرص. وكما نعلم أن هذا التكافؤ معدوم في مجتمع يبني اختياراته على معايير معينة مثل الطبقة، الدين، واللون، والعرق، والجنس، والميل الجنسي. لذا تركز النسوية بشكل عام والنسوية التقاطعية[5] بشكل خاص، على هذه العوامل. فالنسوية التقاطعية تربط ازياد مستوى الاضطهاد بمقدار بعد الشخص عن كونه فاتح اللون، ذكر، من طبقة وسطى أو أعلى، ومغاير، ومنتمي لدين الأغلبية.  لذا يرى القارئ للنظرية النسوية أنها ليست حركة مرتبطة بتحرير النساء فقط، بل إلى تحرير كل المنتمين إلى أقليات مهمشة ومضطهدة.
كما أن اعتقاد أن النساء قد اقتحمن جميع المجالات غير صحيح أيضًا ، فهناك مهن مازالت محرمة وغير مرغوبة للمرأة في دول العالم الثالث وأغلبها مهن قيادية في القضاء، والوزارات، ورئاسة الدول. تلعب التقاليد والأديان المحلية دورًا مهمًا في تحجيم دخول المرأة في المجالات القيادية في مثل هذه البلدان وتقل فرصها في اقتحامها في بلدان العالم الأول بسبب القوانين والبنية الاجتماعية التي تحاول تهميش النساء ليصل الرجل وحده إلى القمة.  
إن النسوية ليست حركة ناقمة منتقمة، ولا حركة تضم نساء متباكيات على اضطهادهن، ولا نظرية تجتر تاريخًا قديمًا محاولة إيجاد تفاصيل صغيرة لتغرق في محاولة تأريخية أكاديمية لا تفيد أحدًا. بل هي نظرية نشطة في الحياة اليومية تهدف لإزالة كل أشكال الاضطهاد فعلا لجميع الفئات التي همشها النظام الأبوي الأحادي، التي طالت سلطته، وقصُرت منفعته، وعُدمت إنسانيته.


المراجع:





[1] حيث تتحرر النساء من الأعباء المنزلية تماما، حيث تهتم الدولة بتخصيص دور رعاية أطفال يومية، ومطاعم، ومغاسل بأسعار رخيصة.

[2]  اكاديمية هندية وناشطة في مجال البيئة ومناهضة ضد العولمة.
[3] يطلق مصطلح النوع الاجتماعي ” الجندر ” على العلاقات والادوار الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع لكل من الجنسين ( الرجال والنساء )، وتتغير هذه الادوار والعلاقات والقيم وفقا” لتغير المكان والزمان وذلك لتداخلها وتشابكها مع العلاقات الاجتماعية الاخرى مثل الدين، الطبقة الاجتماعية ، العرق،… الخ . وبالرغم من ان هذه العلاقات متغيرة في مؤسسات المجتمع المختلفة الا ان جميع هذه المؤسسات تقاوم التغيير .
[4] فتصر الموجة الثالثة على تفرد الطبيعة النسائية عن الطبيعة الرجالي، فلا يجب التقليل مثلا من الطبيعة الجميلة ومساواتها بالرجل، فكل ينفرد بصفاته. وقد تعرضت هذه الموجة للانتقاد من قبل الكثيرات مثل جيرمين جرير التي قالت أن هذه الموجة الثالثة ترفض جميع الأهداف التي عملت على تحقيقها الموجة الثانية ، والغاء صريح لمنجزات النسوية كما أن هذه الموجة لا تنخرط في عمل سياسي حقيقي.
[5] مفهوم مستخدم في حقول الدراسات الاجتماعية جميعها يؤكد أن هناك مستويات مختلفة من القهر مبنية علة الجنس، النوع، العرق، وكل ما يكون الفرد. استخدمت النسوية هذا المفهوم كثيرًا للتأكيد أنها حركة عامة تستوعب جميع أنواع الاضطهاد لإزالة فسميت بالنسوية التقاطعية.