Monday, June 22, 2015

قراءة في صنم الحقيقة ورمز المقدس

ضمن  البحوث المحكمة المقدمة من مجلة مؤمنون بلا حدود نختار لكم قراءة قمنا بها لمقالة محمد شوقي الزين " صنم الحقيقة ورمز المقدس" صراع الايدولة والايقونة في الثقافة الدينية وتداعياته الحضارية.


قراءة علاء بامطرف و مي عبد الوهاب -مراجعة ولاء القرني



في محاولات إعادة تفكيك الثالوث الأنثروبولوجي الذي سبق وقام بالاشتغال على تفكيكه محمد أركون (الحقيقة-المقدس- العنف) يحاول شوقي الزين من خلال تحليل الابنية المذهبية والتشكيلات السياسية والدينية والاقتصادية (سلطة،رأس المال، الجهاد..).  الى وضع نموذجين يفسر من خلالهما الحقيقة التي تشكل المقدس وتبيعاته ويتمثل النموذجين في ما اسماه الايقونة والايدولة .

منطلقاً من  خلال فكرة الصورة  بمعنى البلاغة التي هدفها الإغراء , يمكن توصيف  الصورة بالمُجَلّى : الحيز أو الموطن الذي تتجلى فيه الحقائق المتعالية فتحقق الوظيفة المزدوجة بين التنزيه والتشبيه . يركز على أن الإنسان مهووس بالتصوير سواء قبولاً أو رفضاً يقول في المقدمة : ) إن المصير البشري في الديانات والثقافات يتوقف في معظم هياكله وأبنيته وفي جوهر وعلة وجوده على هذه الثنائية شبه المانوية في الصراع المذهبي بين مدح الصورة والقدح فيها (  والصورة على حسب التفسير الأفلاطوني : هي -1الصورة الأصل : فكرة السرير في العقل . -2 الصورة النسخة من الأصل: السرير الذي يصنعه النجار) سيدرجها الزين ضمن مفهوم الأيقونة (-3 الصورة التي تحصر الأصل: رسمة السرير في الورقة حيث هي تقليد للنص الشارح الذي هو تقليد للنص المؤسس )سيدرجها الزين ضمن مفهوم الأيدولة(.

-         الأيقونة : هي النسخة الدالة على الفكرة أو الصورة والشبه بين الأيقونة والأصل  هنا مبني على التمثيل بمعنى أنه مثال للأصل بمعنى أنها علامة على دلالة خفية أو متعالية .             جاءت فكرة الأيقونة من أن تجليات الحق في العالم تمر عبر رموز وصور تقتضي التأويل حتى ترجع إلى مصادرها الأولى حيث لا تصبح الصورة هي الحقيقة المتعالية لكنها مجرد وسيط رمزي بين الحقيقة المتعالية الغير قابلة للإدراك  وبين الإنسان .
يمثل لها شوقي الزين هنا بمثالين : أضرحة القديسين في المسيحية ومزارات الأولياء والصالحين في الإسلام وأن هذه النظرة تحمل رؤية سلمية للعالم تبث المحبة والحكمة والتسامح حيث أن وفرة الصور دليل على الإلتباس والتنوع .

-         الأيدولة : هي النسخة  المعبودة لذاتها ولا تحيل الا لنفسها فقط, وتجلب العظمة لنفسها دون أن تدل على مايفترض أنها مشتقة منه , ينشأ منها السيموكلار ومعناه صعوبة التمييز بين الحقيقي والمزيف بأن تحل الأيدولة محل النموذج الأصلي فتصبح هي النموذج .   وهذه الفكرة قامت على نسف الصورة والتأويل فمثلاً في الغرب قامت البروتستانية بنسف فكرة الصورة  والرموز والتماثيل من الكنائس وكل الهالة الماورائية للكاثوليكية ونظراً لصعوبة هدم الصورة دون إستبدالها بما يعوض جعلت من الفعل والعمل أساس للتحضر فأنتجت لنا الثقافة الليبرالية الحديثة .وفي الرؤية الإسلامية انتصرت الأيدولة بشكلها السلفي  على العلمانية والتصوف فنفت فكرة الصورة : ) النظرة المتسامحة للمختلف – تقبل التعدد كجزء من الكون – رمزية التبرك وقبور الصالحين ) فنفت كل هذا وحصرت العالم في نظرتها وقامت على هدم كل ما يمكن أن يعزز ثقافة التأويل من مزارات وأضرحة , ولأنها أيضاً لا يمكنها أن تلغي الصورة دون بديل أوجدت فكرة الجهاد وتطبيق الشريعة واستحضار الماضي والجمود معه دون محاولات التأويل والتفسيرات المختلفة والمتعددة التي تحي النص ولا تقتله .

الفاصل بين الأيقونيو الأيدولي مبني على القصدية أو النية ,وعندما أدخل *يوحنا الدمشقي*فكرة الصور إلى الثقافة المسيحية حيث كان تعليله أن الخير يتجلى للعالم في الصور وانتفاءها هو سقوط العالم في الشر وانتفاء الصور هو أيضاً سقوط للإله في العدمية لم يكن يقصد أن يدخل الوثنية إلى المسيحية كما سيتهمه الذين كفروه بعد ذلك وهذه هي مشكلة الحوار الديني الذي لم ينتج أبداً أي حل لأنه قائم على نظرة مختلفة من كل طرف ولأن غرض كل مشترك هو هداية الآخر إلى الحق .

يرى الزين أن العصر الحالي هو انتصار للأيدولة حيث استسلم إلى تقديس الحقيقة وإثبات الوجه الواحد للنصوص مع نفي غيرها وبالتالي نفي التأويل  حيث صار كل مذهب ودين مهووساً بفكرة نفي الآخر , وعلى الجانب الاخر نجد نوع اخر من المقدس متمثل في تقديس الحقيقة السياسية أوتحقيق القداسة الدينية باستعمال العنف الرمزي أو المادي : الحديث عن دول مارقة لا تخضع للمقاس الغربي , أو تكفير شرائح واسعة من المجتمع لا تتبنى فكرة الخلافة  "داعش نموذجاً".

يرد الزين هذا الصراع إلى الصورة والالتباس الذي يكتنفها دائماً , ويقدم فكرة الشكل كحل لنزع الصورة من سطوة الأيدولة , ونزع القداسة عن الحقيقة , ويمكن فهم الشكل على أنه صناعة طبيعية يخلقها الذهن بربطها بالسمات التي شكلتها ( البعد , اللون , الهيئة ( فيصبح وجه الأشياء هي عدد التوجهات التي يتوجهها دون حصر توجه واحد يكون هو الذي يُقدس دون غيره .
يقول الزين في نقطة ختامية  : ( شئ غريب أن تكون كل هذه الفلسفات –شيشرون , سينيكا , ابن عربي , نيكولا الكوسي إلى آخره- قد شددت على قيم التشكيل والتكوين بينما سار الوعي البشري نحو تصنيم الصورة بتقديس الحقيقة وتحقيق القداسة .. لا شك أن الإنسان لا ينفك عن الصورة التي وجد عليها , إذا كان لديه نزوع نحو الأيدولة بثبيت المتحرك فلأنه ينزع نحو تصنيم أو تحنيط مواهبه في تأسيسات سياسية تنتهي بالاستبداد وتأسيسات مذهبية ودينية تؤدي إلى الانغلاق والتزمت.

*يوحنا الدمشقي: آخر آباء الكنيسة الشرقية, أحد أبرز المدافعين عن فكرة التماثيل والصور في اللاهوت المسيحي.