Sunday, January 29, 2017

مفهوم الحرية



قراءة في كتاب مفهوم الحرية
د. عبد الله العروي

قراءة ولاء عبد الله و مي عبد الوهاب

يقع كتاب "مفهوم الحرية" ثانيا ضمن سلسة المفاهيم التي أرساها عبد الله العروي في سعيه لإيجاد مدلولاتها في واقع الوطن العربي و تاريخه عن طريق تحليلها في سماتها العملية المعاشة بعيدا عن التعامل معها كمفاهيم مجردة مطلقة، بهدف التقريب بين الفكر و العمل. إن إرساء المفاهيم في منظور الواقع حجر الأساس للانطلاق نحو عمل ممنهج يتعامل مع الحيثيات الحقيقية و ذات العلاقة بمجتمع ما، عكس ما يكون عند وقوعنا في خطأ إطلاق المنظور المجرد. يأتي بحث العروي حول "مفهوم الحرية" في خمس فصول، يتتبع فيها الكاتب إدلاءات السالف من المفكرين العرب الإسلاميين و الغربيين، و يقارب بينها و بين الظروف التاريخية التي كانوا فيها، ثم يقارن بين العالمين الغربي و العربي في تناولهما للمفهوم. على مدار، الفصول الخمسة نلحظ في حديث العروي ميله إلى تخصيص الخطاب عن "الفرد" داخل المجتمع المعطى و ليس الجماعة فقط عند حديثه عن تقييد أو تحرير، و يركز على مفهوم الفرد بقوله" في محيطنا اليومي نجد ضغطا على شخصية الفرد و إهمالا لكل ما يمكن أن يدفع إلى ازدهارها"  ص 135 ثم في خواتيم الكتاب يذكر لنا أنه رغما عن كون تناول المفهوم يحتم علينا معالجة مشكل الحرية و الدولة، و الحرية و المجتمع، فإنه لا ينبغي أن ننسى أن الأصل هو الفرد. نستنبط أيضا من خلال قراءتنا أن مفهوم الحرية جدلي بطبيعته، حيث يكون "وجودها معنى حيث تنفى فعلا، وتجذرها فعلا، حيث تختفي معنى" ص 136 و بكلمات أخرى، كلما اضمحلت الحرية في مجتمع ما، كلما ارتفعت أصوات المنادين بها. و لأن الحرية ليست مفهوما جامدا، بل متغيرا مع سير التاريخ، فإن هذة العلاقة الجدلية موجودة طالما وجد مشكل الإنسان و القيود أيا كان شكلها. و لنستهل قراءتنا لكتاب من هذا النوع علينا أن نضع نصب أعيننا تساءلنا حول "الحرية"، بكل ما يتبادر إلى أذهاننا من تعريفات نظن صوابها، أو دلالات نعتقد خطأها، و أن نعي أننا لن نخرج منه بتعريف محدد واضح، أو دلالة في القاموس، بل إننا سنهتدي إلى فهمه كفكرة في سياقات اجتماعية تاريخية مختلفة. نستعرض الفصول الخمسة  في لمحات مختصرة كما يلي:

طوبى الحرية

لم يكن لكلمة "حرية" التي جاءت في مطالب سفراء أوروبا لحكام العالم الإسلامي مرادف محدد، فقد أشارت وثائق في بدايات القرن التاسع عشر أن العديد من المؤرخين تساءلوا عن ماهية هذه المطالب و عما قد تعنيه. و حين فسر بعضهم معنى "الحرية" في مطالبات الأوروبيين وصفوها بأنها من أفعال الزندقة، أو على الأقل أنها من الأفعال الدخيلة التي لا أصل لها عندهم. جاءت كلمة الحرية من أوروبا كمفهوم مستورد، ليظهر لدينا مشكل التأويل الذي كان على الباحثين العرب معالجته. من هنا يتساءل المستشرقون – و يجاريهم العروي في ذلك- "هل مفهوم الحرية مأخوذ من الثقافة الغربية، حيث لا وجود له في الثقافة العربية الإسلامية التقليدية؟" [1] . يجيب الكاتب عن هذا السؤال عبر التحقيق في المعنى اللغوي للكلمة و يجد أنها لا تحمل ما قد يتبادر إلى أذهاننا للوهلة الأولى، بل إنه يهتدي إلى ميدانين أساسيين، الفقهي (المروءة و التكليف) و الأخلاقي (معادلة المشيئة الفردية و المشيئة الإلهية، و علاقة الفرد بالطبيعة). ثم يتوجه إلى التحقيق الاجتماعي بعد التحقيق اللغوي ليجد أربع دلالات تجسد فيها مفهوم الحرية في الثقافة العربية. أولها البداوة، بما فيها من تمرد على القانون و القيود و عصيان لأمر الحاكم. و رغم أن البداوة لا ترادف الحرية في المعجم، إلا أنها كفكرة دلت في موروثنا على ما "تطلع إليه الناس من فسحة في العيش و فسحة في التصرف"[2]. ثاني الدلالات هو العشيرة، و التي يرى فيها العروي النقيض لقانون الدولة، و المساحة التي ضمنت حرية خارج عبودية الدولة، فالفرد العربي لا يواجه السلطان منفردا بل تحت مظلة العشيرة التي كلما ناقضت قوانين الدولة حرية أفرادها، كلما عززتها العشيرة. الدلالتين التاليتين تتناولان فكرة دينية في سياق اجتماعي، التقوى و التصوف. كلاهما يعبر عن تحرير لعقل من الذات الدنيا و انقطاع عما يقيد النفس من أهواء إلى حرية التعبد. تكسب التقوى صاحبها بمكانة اجتماعية ذات امتيازات و صلاحيات، مما ينعكس في تمتعه بحرية في التصرف أكبر من غيره، و هذه جهة أخرى لكون التقوى تعكس فكرة الحرية. أما التصوف فيعزل صاحبه عن الحياة الاجتماعية و يمكنه من التحرر الوجداني داخل دولة الاستبداد، و بذلك يلتقي مع البداوة في فكرة تمرد الفرد على الحدود المفروضة عليه. بعد الانطلاق في البحث من تساؤلات المستشرقين التي افترضت انعدام المعنى المرادف في الثقافة العربية الإسلامية و بالتالي انعدام ممارستها و انتفاء ضرورتها، يكشف لنا قاموس الكلمات و قاموس التاريخ عن تمثل الحرية في حلم الفرد العربي، و الطوبى التي يسعى لها، لكنه لا يثبت ممارستها.

الدعوة إلى الحرية (عهد التنظيمات)

نكمل في هذا الفصل الاستعراض التاريخي للتطورات الاجتماعية منذ بداية الدعوة إلى الحرية، و ما كان عليه الحال من محدودية توغل سلطة الدولة مقابل البداوة التي كانت تلعب دور موازي –ومضاد- لدور الدولة.  بدأ دور الأخيرة في التوسع مع اضمحلال أهمية دور البداوة في الحياة الاقتصادية، و بالتالي تراجع تأثيرهم، في هذه المرحلة من التاريخ ظهرت حركة الإصلاح التي هدفت إلى تقوية الدولة ضد الاستعمار، و بالتالي توسيع نطاق تحكمها في حياة الفرد الذي لم يعد بإمكانه التستر خلف العشيرة أو الفرار عبر البدواة. إن مرحلة التنظيمات لعبت دروا هاما في تغيير شكل الحياة الاجتماعية صاحبه تغيير في نوع المطالب بالحرية، فالفرد في عهد التنظيمات لا يبحث عن تحرر وجداني، بل عن استقلالية شخصية ضمن منظومة (الأسرة و المجتمع)، و من هنا جاءت المطالب بتحرير المرأة من السلطة الذكورية، و الابن من وصاية العائلة، الصانع من استغلال رب العمل و هكذا. و على مدار القرن التاسع عشر، نشهد هذا التوسع للفكر الإصلاحي الذي جاءت معه سيطرة شاملة للدولة على شؤون الحياة، فأصبحت التجربة الإنسانية تجربة سياسية، تكون فيها المطالبة حقا، و الحرية مطلبا. و بينما كانت مفردة " الحرية" تستخدم في حدود ضيقة، أصبحت ترفع كشعار في كل وقت و حين للتعبير عن كونها ضرورة اجتماعية سياسية، و هكذا لازم التطور الاجتماعي التطور اللغوي و أمكن لنا أن نفهم السياق التاريخي للضغوط الأوروبية التي حاولت اقناع الحكام العرب بأهمية الحرية المدنية كما تكلم عنها جون ميل ستيورات ولا يمكننا القول والجزم بأن دور أوروبا وحده هو الذي لعب دور المحفز لحركة الإصلاح، إنما العلاقة الجدلية مع الفرد العربي وتراثه والعلوم التي تلقاها من مجتمع سبقه تاريخيا في بعض نواحي الحياة السياسية, وأنتجت بدورها هذة التفاعلات شكل مجتمعٍ جديد أصبحت فيه هذه المطالب حاجة متأصلة في المجتمع ذاته، نابعة من صميمه و متمثلة في ثقافته.

الحرية الليبرالية

يؤكد العروي في هذا الفصل حماسة المفكرين العرب لليبرالية، و لكنه ينفي وجود تنظير رصين لها، و يُرجِع السبب إلى انعدام الوعي التاريخي المنطقي الذي يؤول بالمطالبات إلى مستوى المطالبة بالليبرالية بصورتها الحالية في العالم الحديث. ففي الوقت الذي تقبع فيه الدول العربية في مكان أبعد ما يكون عن النظام الحديث للدولة، نجد مفكريها يتشدقون مطالبا مماثلة لمطالب نظرائهم في دول أوروبية متقدمة. فكيف نفهم مشكل التزامن بين الفكر و الواقع؟ يشير العروي أن الليبرالية مرت بأربعة مراحل، تأثر المفكرون العرب برواد المتأخر منها كجون ستيوارت ميل. عاش العرب عهدا ليبراليا كشعار، لم تحصل خلاله معالجة نقدية للأسئلة الهامة المتعلقة بحدود الحرية الفردية مقابل وصاية الدولة، و كان الهم هو أن تؤصل دعوة الحرية إسلاميا بغض النظر عن التناقضات الناتجة عن ذلك. لذا فإن العهد الليبرالي العربي انصاع للضرورة الحياة الجماعية التي كانت تقتضي إطلاق الدعوة ، و إن كانت " الحرية الليبرالية لا تمثل نظرية بين نظريات الحرية، بل تنفي ضرورة الحرية"[3]، إلا أنها كانت حاجة ذلك العهد. يشير العروي إلى خصوصية الليبرالية العربية بقوله: " إن خصوصية الليبرالي عامة أن يرى في الحرية أصل الإنسانية الحقة وباعثة التاريخ وخير دواء لكل نقص...و خصوصية الليبرالي العربي أنه يعبد الحرية باندفاع لم يعد يحس به زميله الأوروبي. والسبب في ذلك هو حالة المجتمع الذي لم تتحقق فيه بعد أية صورة من صور الحرية."[4] تبدأ المرحلة الجديدة حين نصل إلى نقد هذا الشعار نحو تأصيل للمفهوم.  

من هنا أمكننا أن نستنتج أن هناك ليبرالية كمنظومة فكرية و هناك ليبرالية كحالة اجتماعية تاريخية.

 نظرية الحرية[5]

يعود بنا الكاتب إلى الأقطاب الكلاسيكيين كسبينوزا و من بعدهم كهيغل ليستعرض الاتجاه الذي سلكوه في تناولهم موضوع الحرية. يتفق هيغل مع الفلاسفة الكلاسيكين في البحث عن أصل للحرية

تشترك الكلاسيكية و الهيغلية و الماركسية في جعل الحرية جوهر الانسان، و يختلفون في تأويلها، يرجعها الكلاسيكيون إلى الإرادة الإلهية، اما هيغل فيؤوّلها في الدولة، و يأتي ماركس ليصف الطبقة، طبقة العمال بأنها ضامن الحرية و منبعها. تأتي الوجودية لتأخذ مسلكا مغايرا كليا في تعليلها الحرية لتعتبرها إرادة الفرد اللامشروطة بما سواها من قوانين الطبيعة و ظروف التاريخ. و هكذا تخرج الحرية من التاريخ، بينما اختلفت الهيغلية و الماركسية في وضعها أول التاريخ أو آخرها.

من جهة اخرى, يدرج العروي اقتباسات تظهر التأثير الكبير الذي كان للماركسية على الفكر العربي و الذي انعكس على طبيعة المطالب، و الذي في نفس الوقت يصعب ترجمته إلى واقع ملموس لأن المجتمع العربي بواقعه الحالي لم يختبر أي درجة من درجات الحرية السياسية الحقيقية بعد فكيف يقفز إلى مجتمع اشتراكي والذي لا يمنعه ايضا من التفكير فيه. جاء هذا التأثر بعد انقشاع الغمام عن التناقضات الذي أحدثتها ضبابية ما تسمى بالليبرالية العربية. و ثالث الاتجاهات التي انعكس أثرها هي الوجودية، و هذا ما أراده المثقف العربي، الرفض التام للواقع و ضرورة هدمه لتتم إعادة بنائه من جديد على أسس الحداثة التي تتناسب مع تجربته التاريخية المختلفة عن الدول الاوروبية التي تتميز بنمط انتاج رأسمالي متأصل في تكوين البنية الاجتماعية. ولم ترتقي المحاولات بعد الى اعادة إنتاج هذه الاتجاهات في شكل عربي خاص، و لا زالت تنحصر الجهود في تبني الدعوة و التعامل مع الحرية كشعار فضلا عن مفهوم تنبغي معالجته تاريخيا و فلسفيا.

ونلاحظ من ذلك الشرح والتوضيح من العروي التأكيد على "جدل" الحرية الذي يكرره في كتابه. وذلك الجدل متمثل في المعادلة التالية: أن الحرية توجد حيثما غابتْ، وتغيب حينما توجد. ونظرية الحرية ما هي إلا "كشف" ذلك الجدل". إذن نظرية الحرية في غاية الأهمية، وفي غاية التفاهة أيضاً! هكذا يخلص العروي بعد فصلٍ طويل.

اجتماعيات الحرية

الدراسة الاجتماعية للحرية تعني استخدام "الأرقام كمعايير و مؤشرات نقارن من خلالها أمس باليوم في نظرة تاريخية عامة على الإنسانية و نقارن من خلالها أيضا بين هذا المجتمع و ذاك، و بين هذه الطبقة و تلك في تحليل اجتماعي و سياسي للأوضاع الراهنة."[6] و لكي نقدر مدى التحرر الذي عايشه المجتمع العربي مؤخرا، فإننا نقارنه بمدة تحرر عرب القرون السالفة، و بما سواه من مجتمعات أخرى. و نلجأ إلى العلوم الاجتماعية لتكون دلينا في هذه التقييم. الهدف من العلوم الاجتماعية و وازع التطور فيها هو "محاولة اكتشاف طرق عملية لتحرير الفرد"[7] و عند الحديث عن العلوم الاجتماعية فإننا نعني علم الاقتصاد، علم الاجتماع، و علم السياسية. فأي تقدم أحرزه العرب في مضامير هذه العلوم؟ إن علم السياسية على سبيل المثال يعطينا مؤشرات حول مشاركة الفرد السياسية، و بالتالي مقدرته و امتلاكه لحق التصرف في رأيه السياسي. ينبغي علينا تطوير هذه العلوم لإيجاد النموذج المناسب لنا، و عند ذكرهذه العلوم، لا يقتصر العروي حديثه عن الوضع الاقتصادي و السياسي، و الحالة الاجتماعية للفرد العربي، بل يلفت انتباهنا عن ضرورة تقييم مستوى هذه العلوم في المعاهد و الجامعات و النظر في أي إحراز قدمته/تقدمه لتخدم المطالب و تحقق الفرص. و بهذا يكون استغلال العلم لتحرير الفرد. و على المستويين تحقق المجتمعات العربية مؤشرات متدنية من الحرية، ما يبرر قوة المطالبة بالحرية فيها. فوفقا لما أسماه "العلاقة الجدلية"، فإنه كلما ضعفت مؤشرات التحرر زادت المطالبة به.

ختاما، إن الحرية ليست موضوع حديثا ولا دخيلا، بل هي من صميم وجودنا و الشواهد التاريخية أثبتت ذلك. الصراع البشري لن يفتأ يوقعنا في مواجهة مع ما يحد على الإنسان من إنسانيته و يسلبه حق التصرف، لذا كانت الدعوة إلى الحرية مستمرة. علينا أن نتفاءل بتجدد هذه الدعوة وأن نستبشر بها كلما تصاعدت في مجتمعاتنا، على أن نعي الدور الأساسي الذي ينبغي على التطور العلمي والفكري أن يلعبه لتحقيق هذه المطالب. و الأهم من ذلك هو ألا ننفصل عن الواقع المعاش و أن ننظر للتاريخ كوسيلة لتفسيره وتغييره.



[1]  الكتاب ص 15
[2]  ص 25
[3]  ص 71
[4]  ص 67
[5]  "و نعني بالنظرية محاولة تأصيل الحرية بعد الوعي بالتناقضات الناشئة عن التطبيق"
[6]  ص 121
[7]  ص 123








Tuesday, December 27, 2016

مفهوم الدولة

قراءة في كتاب مفهوم الدولة
د. عبد الله العروي

قراءة ماجد العلوان, مراجعة مي عبد الوهاب


يمكن اعتبار كتاب المفكر عبدالله العروي "مفهوم الدولة" مساهمة نوعية في الفكر السياسي العربي. وتتجلى اهميته في ان المؤلف توخى تقديم نظرية الدولة عن طريق مناقشة آراء كبار المفكرين الذي تعرضوا في كتاباتهم  للدولة ومعناها ومعرفة مواطن النقص في كتاباتهم حول الدولة. إن الناتج والمحصلة النهائية لهذه المناقشة هي تكوين نظرية للدولة القائمة. إن النظرية التي يتحدث عنها العروي لها أساسان لايمكن ان توجد نظرية حول الدولة إلا بهما. الأساس الاول هو ادلوجة الدولة المتجسدة في الشرعية التي تتمتع بها بين الافراد و إجماعهم حولها. والاساس الثاني يتمحور حول اجهزة الدولة المادية ويقصد بها البيروقراطية المدنية والعسكرية. فالنظرية في نهاية المطاف هي تحليل أخلاقيات الدولة المتجسدة في الأيدولوجية (الشرعية والإجماع –العنصر المعنوي للدولة[1] وتحليل البيروقراطية المدنية والعسكرية (العنصر المادي للدولة). إن الدولة حتى يمكن وصفها بأنها قوية, فإن عنصري النظرية لابد أن يتواجدا جنبا إلى جنب. لابد أن يكون هناك إجماع بين الأفراد على شرعية الدولة القائمة. وثانيا, ينبغى أن تكون الأجهزة المادية للدولة معقلنة.[2]

الفصل الاول: نظرية الدولة الإيجابية

يتحدث هذا الفصل عن الاتجاهات الرئيسية التاريخية التي تناولت موضوع نظرية الدولة بشكل رئيسي او شكل ثانوي. ويمكن نسبة هذه الاتجاهات المختلفة الى ثلاثة مفكرين رئيسين أثروا على طريقة التفكير في مفهوم الدولة وهم على التوالي اوغسطين وكانط وهيغل. أولى هذه الاتجاهات الفكرية هي المدرسة الأوغسطينية التي تتحدث عن وجود حياة أخرى غير الحياة الدنيا التي يعيش فيها البشر, وأن السعادة الأبدية لا تتوافر إلا في تلك الحياة. وبمعنى آخر فإن هذه النظرة "توجه الدعوة إلى الوجدان الفردي لكي ينفصل عن قوانين الحياة الدنيا الخادعة العابرة ويتهيأ للحياة الآخرة."[3] إن الحياة الدنيا هي مجرد مرحلة مؤقتة ولحظة عابرة وجسر الى حياة ماورائية أبدية يجازى فيها الفرد على ما عمل من خير أو شر. وعليه فإن الدولة هي تنظيم بشري و كيان "اصطناعي" تتحدد شرعيتها او عدم شرعيتها من خلال تمكين الفرد من القيام بالأفعال التي تحقق غايته الأخروية. فإذا وفرت للفرد الوسائل والإمكانات وإزالت العقبات أمام تحقيق غايته فهي شرعية. وفي المقابل إذا هي لم توفر إمكانات أو تتيح الوسائل التي تمكن الفرد من تحقيق الغاية فهي غير شرعية وهي شر محض وتصبح طاعتها محل تساؤل. والاتجاه الثاني في  البحث عن تعريف الدولة يأتي هذه المرة من كانط ومن فلسفة الأنوار. حيث تقرر هذه النظرية  أن الفرد لديه غايات ذاتيه كالمعرفة والرفاهية والسعادة  يسعى الى تحقيقها من خلال استغلال الطبيعة المحيطة به. ويتمخض من ذلك أن الأفراد يكونون في النهاية المجتمع والذي يكون بدوره يمكن وصفه بأنه " نظام طبيعي ضروري, فهو بالتالي معقول متكامل متجانس"[4]  وينتج من ذلك أن الدولة ظاهرة ناتجة من الاجتماع الطبيعي وخاضعة لأحكامه. وبالتالي فإن على الدولة اذا أرادت أن تكون وفية لظروف نشأتها  وبالتالي شرعية فإن عليها أن تخدم المجتمع وتسهل طرق التعاقدات بين الافراد وتحميها وتوفر العلم وتجعله متاحا للجميع. ويتقلص دورها لتكون فقط معنية بالحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي. ويمكن الاستنتاج من الاتجاهين السابقين, أن الدولة لم تكن هي الموضوع الرئيسي للبحث, بل احتلت مكانة ثانوية. أي أن القيمة قد تم وضعها خارجها في الغاية الأخروية كما في النظرية الأولى أو في المنفعة المجتمعية في الاتجاه الثاني. ولذلك فإن نظرية الدولة لم تجد التربة الخصبة لكي تنمو في تلك الاتجاهين. وكردة فعل على تهميش الدولة ووضع القيمة خارجها وجعلها وسيلة, قام هيغل الفيلسوف الألماني بقلب الطاولة على مسألة وضع القيمة خارج الدولة, وقام بوضع القيمة داخلها. فأصبحت الدولة غاية في حد ذاتيه وقيمة متعاليه على الوجدان الفردي والمنفعة. ويتضح ذلك جليا من تعريف هيغل للدولة والتي هي " الفكرة الأخلاقية الموضوعية إذ تتحقق, هي الروح الأخلاقية بصفتها  إرادة جوهرية تتجلى واضحة لذاتها، تعرف ذاتها وتفكر بذاتها وتنجز ما تعرف لأنها تعرفه" يسجل العروي ملاحظة مهمة بخصوص هذا التعريف الصعب فيقول " لا ينطبق التعريف على هذه الدولة أو تلك, لا اثناء التكوين ولا أثناء التطور والانهيار. إنما ينطبق على مفهوم الدولة عبر التاريخ."[5] بعبارة أخرى, إن التعريف الهيغلي للدولة مستخلص من قراءة أنماط التجمعات البشرية في التاريخ وليس شكلا واحدا من اشكال التجمعات الانسانية. غير أن هذا التعريف رغم تقدمه على الاتجاهين اللذين سبق وأن تم بحثهم, لم يسلم من النقد وخصوصا من جانب كارل ماركس.

الفصل الثاني: النظرية النقدية للدولة

يتناول هذا الفصل الانتقادات الموجهة من ماركس لهيغل بخصوص مفهومه الفلسفي عن الدولة. ويمكن تلخيص النقد الموجه لهيغل في التجريد الذي يتخذه هيغل عند الحديث عن الدولة ومفهومها. حيث إن هيغل يبدا من التعريف المجرد ثم ينتهي الى تبرير الواقع المعاش في وقته وهو النظام البروسي. حيث إن الدولة تمثل العقل في ذاته فهي دولة العقل المطلقة.  ثم هو من هذا المنطلق يبرر النظام الأرستقراطي في بروسيا. بمعنى آخر "وراء التحليل المنطقي الظاهر تكمن تجريبية تامة وواقعية فجة, لا يمكن أن تدعي بحال أنها معقولة فعلا وفلسفية حقا."[6] فمثلا هيغل يبرر وجود طبقة الموظفين العمومين بالتبرير التالي " إن أفعال الحكومات ذات طبيعة جوهرية, تنتمي إلى دائرة ما سبق تقريره حسب الجوهر, لكن ينفذها أفراد. ليس هناك تناسب بديهي تلقائي بين الأفعال الحكومية والأفراد, لأن هؤلاء ليسوا مهيأيين  منذ الولادة  للقيام بالوظيفة. لذا لا بد من امتحان يعطي الدليل على كفاءتهم. فالامتحان ضمان لقضاء حاجات الدولة وفرصة متاحة لكل مواطن لكي يلتحق بطبقة العموم."[7] إن النقطة الجوهرية والتي جعلت ماركس يتجاوز هيغل هو تبريره لوجود طبقة الملاك العقاريين البروسيين الذين لهم سيطرة فعلية على المجلس النيابي ومنها يخرج كبار القادة العسكريين واعضاء الحكومة الكبار بسبب ملكيتهم للعقار. أي أنها لاعب حيوي في الحياة السياسية للدولة ومفاصلها ولا يمكن اغفالها أو تهميشها.  ويكمن السبب في رأي هيغل لتمتع هذه الطبقة بهذا الدور الكبير في الحياة السياسية بالحقيقة التي مفادها ان هذه الطبقة عامل استقرار وثبات للحياة السياسية في بروسيا. يكمن في ان الملكية العقارية ثابتة وغير متقلبة بعكس الثروة الآتية من الصناعة أو التجارة ومن ناحية أخرى فإن نظام البكارية[8] يؤدي الى تجاوز الأخلاق الذاتية الى اخلاق موضوعية. وذلك كون نظام البكارية يضحي بالمساواة بين الورثة في وراثتهم للارض في سبيل استقرار الدولة وديموتها. و إجمالا يمكن القول بأن النفوذ الموجود لطبقة الملاك يرجع اصوله الى ارتباط الطبقة العقارية بالطبيعة أي الأرض والأصل الثاني هو تقديم الأسرة على الفرد أي نظام البكارية. ومن هذه النقطة الأخيرة يفند ماركس تبرير هيغل لقوة الطبقة العقارية ويقلبه. فيقول عن السبب الحقيقي في النفوذ يرجع إلى امتلاك العقار. إذ القوة ليست قادمة من الأسرة او نظام البكارية, بل القوة والنفوذ ينتجان من ملكية العقار وحجمه. وبناء على ما سبق فإن الدولة نتيجة للملكية الفردية للعقار. سيقوم إنجلز بدارسة للتاريخ اليوناني والروماني القديم ويتتبع أثر نشوء الدولة بظهور الملكية الخاصة وبداية اختفاء الملكية العمومية. حيث يلاحظ انجلز التغير الناشئ من ظهور الملكية الخاصة ويقول "تسرب في الدستور عنصر جديد هو الملكية الخاصة. أصبحت حقوق المواطنين وواجباتهم مقرونة بمساحة الملكية العقارية. كلما قوي نفوذ الطبقات المالكة, اضمحلت الهيئات المتولدة عن علاقات القرابة."[9]   

الفصل الثالث : نظرية الدولة

ينقلنا العروي في هذا الفصل الى المنهج الوصفي الوضعاني في بحث نظرية الدولة , ذلك المنهج الذي نشأ كردة فعل على المثالية التجريدة الهيغلية. يمكن وصف طريقة عمل هذه المنهجية كالتالي. البدء بالواقع المعاش بوصفه وصفا دقيقا ثم تبسيط هذا الواقع المعقد وتجريده وفي النهاية سحبه على الماضي. إذن هي عملية ذهنية يقوم بها الباحث  ليصل الى معنى الدولة أي الدور الذي تلعبه في المجتمع الانساني. ونقدم مثالا على استخدام المنهج من انجلز, حيث بدأ من واقع الدولة التي يعيش فيها من جيش وإدارة وجميع  مكونات الدولة وتم تخليصهم من تعقيداتهم. ومن ثم بناء نموذج ذهني مبسط خالي من التعقيدات ومجرد وتطبيقه على التنظيمات السياسية في الماضي. وبناء عليه يستنتج انجلز في نهاية العملية الذهنية ان الدولة تخدم جماعة مخصوصة من السكان. وبعبارة انجلز يقول "إن الدولة التمثيلية الحديثة هي آلية يستغل بها الرأسمالي العمال الأجراء."[10] أي أن دور الدولة وأدواتها يكمن في خدمة ملاك وسائل الانتاج دون سواهم من الطبقات.

وطرح العروي أداة منهجية تعتمد على المنهج الوضعاني وتسمى نموذج  الدولة الحديثة كأداة علمية للبحث في مفهوم الدولة. وخير من استعمل هذا النموذج عالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر. قام فيبر باختيار دول تاريخية واختيار اهم العناصر او الصفات التي تميز نموذج عن اخر. بعبارة اخرى يعتمد هذا النهج على اختيار دولتين تاريخيتين وجعل أحدهما دولة ايجابية والاخرى سلبية. وبعبارة العروي "تتطلب الطريقة المذكورة مقابلة حالتين: الأولى إيجابية والثانية سلبية. إذا كنا نتوخى فرز ظاهرة اجتماعية لنركب نموذجها الذهني, فلا بد من انتقاء مثلا تاريخيا يتضمنها ومثلا آخر يجهلها. فنتوصل إلى إظهار آثار وجودها في الأول وآثار غيابها في الثاني."[11] و قد استعمل المؤرخون النموذج السابق للمقابلة بين الدولة النابلويونية كحالة إيجابية في مقابل الملكيات المطلقة في اوروبا كبروسيا والنمسا وإيطاليا. فمميزات الحالة الاولى تقوم على التوحيد, التجريد, النظام, الفعالية. وفي المقابل فإن الظواهر التي تسود النموذج السلبي هي التعدد، التجريبية، العادات. إن هذه السمات او الخصائص التي تميز النموذجين وتفصلهما عن بعضهما البعض هي مستقاه من دراسة للأجهزة التي تكون الدولة في النموذجين. وبالتحديد فإن المقابلة تمت عندما تم بحث أربعة جوانب أساسية ضمن الدولة وهي: الجيش, الإدارة, الاقتصاد, التعليم. فمثلا قام نابليون بتوحيد لغة الدراسة في كافة أرجاء الدولة وجعله تحت سلطة الدولة بدلا من سلطة الكنسية. وهذه الخاصية مفقودة في دول الملكيات المطلقة, حيث كان التعليم من مسؤوليات الكنائس وتحت سلطتها وتخضع المناهج الدراسية لوجهة نظرها الدينية. إن فيبر بعد أن قام بهذه العملية الذهنية يستنتج ان وراء تلك الخصائص الايجابية للدولة الحديثة المتجسدة في مثال الدولة النابوليونية مبدأ او سبب أدى إلى ظهورها. إن المبدأ الذي يتكلم عنه فيبر هو منطق العقلانية. إن العقلانية بحسب التعريف هي "عملية تطبيق العقل المجرد الرياضي على مظاهر الحياة بهدف توفير الجهد ورفع الانتاج المادي."[12] إن العقلانية بعبارة أخرى تقوم على تحكيم العقل في جميع مظاهر الحياة بدلا من العادات او الدين او الهوى. لكن لا يتفق الجميع مع فيبر بخصوص إرجاع مظاهر الدولة الحديثة الى منطق العقلانية. فهناك الماركسيين والاقتصاديين الذي يربطون ظهور الدولة الحديثة بممارسات الطبقة الوسطى الأوربية. حيث ساهم تغلل أبناء هذه الطبقة في البيروقراطية والجيش والقضاء والاقتصاد الى نقل وتبني الممارسات التجارية التي تعتمد التنظيم, المحاسبة, التوفير, الربح, التعميم. وهكذا انتشرت الممارسات العقلانية في مفاصل الدولة القديمة والتي استحالت الى دولة حديثة بسبب وجود تيار كبير يدعمها ويؤيدها ويجعل من الممارسات العقلانية هي الغالب والمسيطر.

إن العروي في نهاية هذا الفصل يقدم تعريفا للدولة يجمع بين المراحل الثلاثة ابتداء من هيغل ومرورا بماركس وانتهاء بفيبر. حيث تعرف الدولة بأنها "مجموعة أدوات تنظيمية وقمعية –جيش,شرطة, قضاء, إدارة- وميزة تلك الأدوات هي البيروقراطية,  استعمال العقل الحسابي لترتيب العمل الجماعي بهدف اقتصاد الوقت والجهد."[13] إن هذا التعريف جامع وخلاصة لما قدمه أولئك المفكرين حول ماهية الدولة.

الفصل الرابع: الدولة التقليدية في الوطن العربي.

يكرس المؤلف هذا الفصل للحديث عن واقع الدولة التاريخية الإسلامية ومفهومها. بداية يعترف العروي بصعوبة معرفة واقع تلك الدولة التاريخية لقلة المصادر المتوافرة. إلا ان هذا العائق لا يمنعه من المحاولة معتمدا في ذلك على ماكتبه ابن خلدون كونه صاحب منهج واقعي (مادي) وبعيد عن الطوباوية. إن الواقع الذي كانت تعيش في ظله الدولة الإسلامية بغض النظر عن الخلفية الثقافية للطبقة الحاكمة واقع قهر وظلم واستبداد. إن تلك الدولة حتى وإن اطلقت على نفسها أنها إسلامية ليست إلا مجرد دولة تخدم اهداف ذاتية كالتوسع و السيطرة على أراض أكبر ومراكمة الثروة. إن ذلك الواقع المرير ادى إلى نشوء أفكار مثالية حول ما يجب ان تكون عليه الدولة. ولعل أبرز هذه الطوباويات الاكثر شعبية والتي لازالت رائجة وشعبية في المخيال المسلم هي فكرة دولة الخلافة. تلك الدولة لم تتحقق إلا مرة واحدة في التاريخ الإسلامي وهو عصر النبي وعصر الثلاثة الخلفاء الراشدون أبي بكر وعمر وعثمان. أبرز مزية في تلك دولة الخلافة ان المحرك الأساسي للفرد هو الدين وهو الذي يضبط أفعاله بدون سلطان خارجي. إنها دولة العدل والسلام والإيثار بعكس الدولة التي عايشها المسلمون بعد عصر دولة الخلافة القصير. يختتم العروي الفصل بالحديث عن عبارة شهيرة جدا مستخدمة من قبل جماعات الاسلام السياسي وهي أن الاسلام دين ودولة. حيث يقول العروي في هذا الخصوص "إن العبارة –الإسلام دين ودولة- وصف للواقع القائم منذ قرون, أي لحكم سلطاني مطلق, يحافظ لأسباب سياسية محضة, على قواعد الشرع."[14] إن المعنى الحقيقي للعبارة هو أن الإسلام كعقيدة والدولة كتنظيم سياسي قد تساكنا ولم يندمجا في الدولة الإسلامية التاريخية. إن تلك العبارة هي في نهاية التحليل وصف لواقع الوضع الذي وصلت إليه السلطنة الإسلامية حيث يستخدم الخلفاء والأمراء تطبيق مظاهر الشرع للحصول على رضاء الفقهاء وفي نفس الوقت يكمن هدف الدولة في خدمة مصلحة العصبية الحاكمة و وزيادة ثرواتها.

الفصل الخامس : دولة التنظيمات

يتكلم هذا الفصل عن تجربة إصلاح الدول الحديثة الاسلامية كالسلطنة العثمانية والدولة المصرية والتونسية والمغربية وتأثير تلك الاصلاحات على الفرد. إن الاصلاحات التي تم القيام بها كانت تستهدف في الأساس تقوية السلطة وتقوية الحاكم ولم يكن المجتمع ومصلحته إلا هدفا تبعيا.  ولا غرابة في ذلك إذ أن تلك الدول قد ورثت خصيصة من خصائص السلطنة الإسلامية التي كانت حديث الفصل السابق حيث الانفصال التام بين الحاكم والمجتمع. فتم تحديث الجيش وتسليحه بسلاح عصري, وتغيير مناهج الدراسة, وتدوين القوانين كل ذلك تم في سبيل تقوية الدولة القائمة وتعميقها. إلا أن المهم في رأي العروي هو تأثير تلك الإصلاحات على وجدان الفرد ونظرته للدولة. أي بمعنى آخر هل تغيرت النظرة التي ترى في الدولة اداة للقهر والتسلط؟ يجيب العروي على هذا السؤال بالنفي التام. والسبب يكمن في رأيه في أنه حتى بعد القيام بتحديث الجهاز الإداري وتدوين القوانين وعقلنة السلطة, بقيت مسألة منطق القيام بالإصلاحات مشكلا. وذلك لأن الذي قام بتلك الإصلاحات هو أقلية غربية مستعمرة و متفرنجة ذات خلفية ثقافية واجتماعية مغايرة للمجتمع المحلي. تلك الأقلية كانت ترى في الدين العائق في التطور والتقدم والتخلص من ربقة التخلف. لذا استبعدته من مجال السلطة السياسية. إن هذه الوضيعة قد أدت إلى توحيد فصيلين محليين يختلفون في الأهداف التي يصبون إلى تحقيقها. فالوطنيون يريدون التخلص من المستعمر واستبداله بأفراد أهليين. وترى الحركة الدينية هدفها في إعادة الشريعة إلى مكانها السابق والمسيطر.

الفصل السادس: النظرية وواقع الدولة العربية القائمة.

يمكن اعتبار هذا الفصل خلاصة جميع الفصول السابقة حيث يصل العروي إلى نتيجة مفادها أن الدولة الحق هي التي تكون مرتبطة بالأخلاق والإجماع عند جميع المفكرين سواء كانوا مثاليين أو واقعيين. ينطلق العروي من هذه النقطة ليتحدث عن واقع الفرد العربي ونظرته للدولة. وذلك لأن الاخلاق والإجماع إذا فقدا في دولة فإنها منقرضة لا محالة. فيتوصل العروي إلى أن الفرد العربي ورث النظرة التي ترى ان هناك انفصالا بين الاخلاق والقيمة من جهة وبين واقع الدولة القائمة. إن الفرد ينتظر قدوم دولة الخلافة التي يتحقق فيها التزاوج بين الدولة والاخلاق, وهو بذلك ينزع الولاء عن السلطة القائمة ولا يبقى للإجماع حولها مكان. وبغياب الأيدولوجية الدولوية[15] وهي قبول الدولة والانصياع الطوعي لها, فإن الدولة تلجأ للعنف المنظم للاستمرار والبقاء وهو مايؤدي إلى سقوطها عاجلا أم آجلا. و حتى المذاهب الغربية عند انتقالها للفرد العربي قد انتقلت لها عدوى العداء الوجداني للسلطة القائمة وبالتالي انتظار قيام دولة تجسد المبدأ النقي سواء اكانت ليبرالية أو ماركسية او وجودية. إن هذه النظرة سواء أكانت مورثة أو نتيجة انتقال أفكار غربية قد حالت دون ابتكار نظرية للدولة كما وضع أسسها هيغل. إن الخصيصة لهذه النظرية حول الدولة توحد مجالي الأخلاق بالدولة. أي ربط الاخلاق والقيمة بجهاز الدولة المادي من بيروقراطية مدنية او عسكرية.

ومن هذه النقطة يتضح  سبب عدم ابتكار نظرية حول الدولة في الفكر العربي السياسي. حيث أقعدت الطوبى الفرد العربي عن محاولة الجمع بين الاخلاق والإجماع من جهة والجهاز المادي للدولة من جهة اخرى. 

الفصل السابع:  المفارقة الحالية.

يتحدث العروي في الفصل الاخير عن ما يسميه بالمفارقة العجيبة. حيث تتساكن قيم العقلنة المتجسدة في البيروقراطية مع حكومة السلطان التي تحمي مصالحه وتنميها. والنتيجة هي أن الدولة العربية المعاصرة تحمل كلا النمطين في وقت واحد أو تغلب أحدهما على الآخر في فترة زمنية محددة. إن هذه الوضعية المتأرجحة والثابتة هي نتاج لانعدام نظرية للدولة وللانفصال التاريخي بين القيمة من جهة وبين الجهاز المادي للدولة من جهة أخرى. بعبارة أخرى إن الطوبى لم تسمح للنظرية الدولوية بالظهور والنجاح. والسبيل للانفكاك من هذه الوضعية الحرجة هي بهجر الطوبى[16] والتفكير في الربط بين أخلاقيات الدولة وبين الجهاز البيروقراطي. عندئذ فقط  يمكن لنظرية الدولة الظهور من الرماد.






[2] هي استخدام العقل الحسابي المجرد فبي كافة مناحي الحياة
[3]صفحة 14. العروي, عبدالله . مفهوم الدولة. المركز الثقافي العربي.2011
[4] م.س.ص 17
[5] م.س.ص 34
[6] م.س.ص 50
[7] م.س.ص 50
[8] وراثة الذكر الأكبر الملكية العقارية وحده دون باقي الورثة  يقصد بالبكارية:
[9] م.س.ص 70
[10] م.س.ص 81
[11] م.س.ص 85
[12] م.س.ص 99
[13] م.س.ص 115
[14] م.س.ص 164
[15] يقصد بها العروي الرؤية التي تؤمن بأهمية الدولة الحديثة وحضورها
[16] يعني العروي بالطوبى ( تخيل نظام أفضل خارج الدولة وضدا عليها)م.س.ص.198





Sunday, November 27, 2016

لمحة سريعة حول الحركة النسوية



لمحة سريعة حول الحركة النسوية

آلاء أبوناجي, مراجعة مي عبد الوهاب

تمهيد:

ماذا تريد الحركة النسوية في وقت تمكنت فيه الكثير من النساء من الخروج إلى العمل، وتحقيق أعلى المناصب وفي مختلف المجالات؟
هذا السؤال المكرر يطرحه الكثير ممن تجاوز مرحلة العداء الإيجابية الأولى التي تفهم النسوية بأنها حركة معادية وكارهة للرجال، هدفها قلب الآية وجعل الرجال عبيدًا للنساء. فلحسن الحظ/ أو سوءه ، يقع معظم الرجال – وحتى النساء- في هذه الخانة الرمادية فهم ليسوا نسويين ولكنهم في نفس الوقت غير عنيفين في تصورهم للنسوية، معظم من في هذه الخانة لديهم نقص في الإحاطة بأهداف النسوية و عدم فهم مصطلحها بالأساس ، فالسؤال نفسه يطرح فرضيات خاطئة كثيرة سنفندها في هذا المقال، واحدة تلو الأخرى بالتعريف عن النسوية.

ما هي النسوية؟

 اختلفت التعريفات ولكن لم يختلف جوهرها، وهو أنها حركة تسعى للمساواة التامة بين الرجل والمرأة سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وكل الأصعدة التي تدار فيها الحياة. من هذا التعريف ينبثق أول مغلوط في هذا السؤال وهو، افتراض أن غاية المرأة من كونها نسوية هو أن تخرج إلى العمل لتنافس الرجال وتحقق ذاتها. نعم، إن تحقيق الذات من خلال العمل هو من ضمن الأهداف الرئيسية للنسوية ولكنه ليس الغاية الأولى لها، ولا تحصل المساواة اتوماتيكيا فور حصولها على حق العمل، فهناك عوامل أخرى يتم بها اضطهاد المرأة خلال العمل نفسه، وهو ما يحصل حاليًا بتدني مستويات الأجر، والتمييز بشكل عام ضدها في بيئة العمل. فالنسوية ليست حركة تهدف إلى تغيير سطحي للأوضاع، بل تهدف إلى إزالة كافة المعوقات التي تعترض طريق المرأة وهي معوقات كثيرة، ما إن يتم انتزاع واحد منها حتى تظهر عوائق أكثر راكمها الزمن والتاريخ، والقوانين، والنظام الأبوي بصفة عامة.

ماذا يعني مصطلح الأبوية / البطريركية الذي يتم تكراره دائما في مواضيع النسوية؟
 الأبوية على صعيد كلي (ماكرو)، هي سلطة ذكورية تبنى عليها المجتمعات، وتحكم علاقات الأفراد ببعضهم وتتحكم عليهم باستخدام كل أنواع السلطة الممكنة التي يوفرها ذلك المجتمع من مؤسسات قانونية، دينيةـ عرفية ومدنية، وغيرها. وعلى صعيد أصغر (مايكرو) تتمثل الأبوية في سلطة الأب على ابنته، الأخ على أخته، الزوج على زوجته، أو أي ذكر على أنثى بسبب الامتياز الجنسي له كذكر. هناك عدة تيارات للحركة النسوية، وتدرك معظمها أن النظام الأبوي هو السبب الرئيسي في الوضع الأدنى للمرأة، ولكنها تختلف في طرق مواجهتها له، فمن هذه الحركات من تدعو إلى العمل بداخل هذا النظام لنيل الحقوق المسلوبة كالحركة النسوية الليبرالية ومنهن من تدعوا إلى هدم المؤسسة الأبوية بكاملها لبناء أخرى بديلة، كالراديكالية وغيرها.

أبرز المدارس النسوية:

النسوية الماركسية: تستقي أفكارها من كارل ماركس الذي ترتبط أفكاره باستغلال طبقة أصحاب رؤوس الأموال لطبقة العمال فكذلك ترى النسوية الماركسية استغلال المجتمعات للنساء، فيتم استغلال جهودهن خارج المنزل وداخله من غير مقابل. بل ترى أن أوضاعها أسوأ من أوضاع العمال فهؤلاء على الأقل لديهم نقابات عمالية يتقابلون فيها بعد العمل لمناقشة أوضاعهم، بينما تهرع النساء إلى بيوتها لاستكمال مشاغلها المنزلية، مما يجعل تعاونهن تحت مظلة واحدة من المستحيلات. تعمل النسوية الماركسية على إحداث تغيير مجتمعي كامل لا على تغير الفرد فقط ليصبح الاقتصاد المنزلي وتربية الأطفال مهمة يشترك فيها المجتمع بأكمله[1]، لا الأسرة النووية الصغيرة التي تضمن كون الأب العائل الاقتصادي الأول وبالتالي المسيطر اجتماعيا، وعند تحقيق المساواة الاقتصادية بتحرر المرأة من العبء الكامل لتربية الأطفال والأعمال المنزلية الغير مدفوعة، ستصبح المرأة مساوية للرجل وتكون العلاقة القائمة بينها علاقة حب خالصة لا علاقة انتفاع متبادل.

النسوية الليبرالية: تيار يركز على المرأة كفرد، وعلى إمكانية حصولها على حقوقها من خلال جهدها واختياراتها وتفاعلها مع المجتمع، عندما يؤمن لها القانون الحرية لذلك. تركز النسوية الليبرالية على دفع مؤسسات الدولة لضمان حقوق المرأة عن طريق السياسة والقانون، لا على تغيير البنية الاجتماعية ككل.

النسوية الراديكالية: ترجع سبب اضطهاد المرأة إلى الجنس، وحصر دورها المجتمعي له وللإنجاب. تعتقد النسوية الراديكالية أن سبب الاضطهاد ليس النظام الرأسمالي بل الأبوي الذي يمارس سيطرته على النساء كافة حول العالم ، بغض النظر عن طبقتهن. تفسر النسوية الراديكالية الثقافات الموجودة حاليا بأنها  ثقافة رجولية بحتة للرجال ، وثقافة نسائية مهيمن ومتحكم بها من قبل الرجال. تعمل النسوية الراديكالية على نسف هاتين الثقافتين لخلق ثقافة نسوية خالصة من قبل النساء حيث يتمكن من استعادة أجسادهن وكيانهن كاملا. تتماشى النسوية الراديكالية جنبًا إلى جنب مع الحركة النسوية للنساء السوداوات كما تتقاطع أهدافها مع حركة دعم المثليين، لأنها كما أسلفنا ترى أصل الاضطهاد هو في العلاقة الجنسية الغير متكافئة بين الرجل والمرأة، فتأتي العلاقة المثلية لتقدم مثالا جديدا مختلف عن علاقات السيطرة والطاعة التقليدية بين الرجل والمرأة.

تيارات واتجاهات:

توجد تيارات أخرى عديدة منبثقة من الثلاث مدارس السابقة وأخرى ثقافية وبيئية ذات تصور جديد للاضطهاد التاريخي للمرأة، منها:

النسوية البيئية: تعني ربط استغلال الطبيعة باستغلال النساء، وان المرأة (المشبهة بالطبيعة في معظم المعتقدات والخرافات الدينية) تتعرض لنفس أنماط الاستغلال التي تتعرض لها الموارد الطبيعية على يد النظام الرأسمالي ورجاله. فما يحصل من إهدار، وتلويث، واستغلالها لمنفعة الرجال والمصانع هو ما يحدث تماما للمرأة. تصاعد هذا التيار في الثمانينات على يد الهندية فاندانا شيفا[2] مع ازدياد الكوارث البيئية، وارتفعت شعبيته في بلدان العالم الثالث حيث الدمار البيئي في أقصاه، والذي أثر على حياة الكثير من النساء هناك الذين عانوا بشكل مباشر منه. وبالتالي، لا يمكن لغير ثقافة سلمية، معادية للرأسمالية ومحترمة للشعوب والطبيعة، أن تلغي الاستغلال والتمييز اللذين تتعرض لهما نساء الكون.

النسوية الاشتراكية: تيار نسوي بدأ في الظهور في سبعينات القرن الماضي خلال الموجة النسوية الثانية  التي سنذكرها ببعض من التفصيل فيما بعد. يعتقد أن اضطهاد النساء حاليا هو نتيجة تضافر النظام الأبوي والرأسمالي معًا. فهو بالتالي يربط البنية الاجتماعية بالبنية الاقتصادية. فيدمج جزء من الرؤية الماركسية مع القليل من الرؤية الراديكالية، لكنه لا يعترف بالنوع ( الجندر[3]) كسبب رئيسي للاضطهاد.

التمرحل التاريخي للحركات النسوية (الحراك السياسي):

لقد مرت النسوية بثلاث موجات رئيسية تنوعت فيها مطالب النسويات. فقد بدأت بالمطالبة بالحقوق الرئيسية كحق الانتخاب وحاليًا تعمل النسوية باستعادة كافة الحقوق الإنسانية للمرأة.

الموجة النسوية الأولى: بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، وكان هدفها التخلص من معاناة المرأة في البيئة المدنية الصناعية الليبرالية. وقد استقت المطالبات بحق النساء بالاقتراع والحضانة والملكية من أطروحة ماري ويلنستون كرافت "دفاع عن حقوق المرأة: القيود السياسية والأخلاقية" التي كتبت منذ أكثر من قرن تحديدا في عام 1792. وقد ترافقت الدعوة لحقوق المرأة مع حركة تحرير العبيد.

الموجة النسوية الثانية: بدأت في الستينات من القرن العشرين واستمرت إلى نهايته. كانت هذه الموجة مختلفة عن مثيلتها الأولى لأنها خرجت من نطاق النساء البيض في الدول الصناعية الأولى وانتشرت حول العالم. كما أن الجنسانية وحقوق الإنجاب كانا على رأس مطالب هذه الموجة التي كانت أكثر راديكالية من الموجة الأولى. شهدت هذه الموجة ظهور شعارات مثل " كل ما هو شخصي هو سياسي" و" صراع المرأة هو صراع الطبقات" فقد أدركت النسويات أن الصراعات الشخصية المتمثلة بحقوق الزواج والإنجاب والجنس انعكاس لوضعهم السياسي والاقتصادي المتدني. وهذا ما أشادت به بيتي فريمان في كتابها " الغموض الأنثوي"حيث ربطت تحرر المرأة من أدوارها الخاصة سيؤدي إلى نقلهن للمجال العام. وانتقدت سيمون دي بوفوار في كتابها "الجنس الآخر" مقولة شهيرة رددت في القرن التاسع عشر وهي " أن النساء مساويات ولكن مختلفات عن الرجال" واعتبرتها مسببة لإعادة إنتاج سبل الاضطهاد للمرأة والأقليات، مثلما حدث مع قوانين الفصل العنصري للسود بناءً على الاعتقاد في اختلافهم جينيًا، ونفسيًا، وعقليًا.

الموجة النسوية الثالثة "ما بعد الحداثة": وهي الموجة السائدة في العصر الراهن حيث تبنت هذه الموجة تفكيك كل الرموز والقوالب وتدمير الأنساق المعهودة، وخلق إمكانيات مختلفة للوجود. فعملت على التميز الإيجابي بين الذكر والأنثى بالإصرار على وجود فروق بينهما بيولوجية، نفسية، الخ..[4] ، مع المطالبة بالندية والمساواة في الأهلية. و ما تريده الموجة النسوية الثالثة هو زعزعة الثنائية الضدية التي بنى عليها النظام الأبوي منهجه ( أعلى-أسفل، أسود-أبيض، موجب-سالب). مما يخلق المساحة للذكور والإناث على حد سواء لصنع الذات المبدعة الخارجة عن التصنيف الثنائي للأشياء. 

خاتمة:  
عودة إلى السؤال المطروح في بداية المقال، ماذا تريد النسوية في وقت خرجت فيه النساء إلى العمل ووصلن إلى مناصب مهمة؟  يبدو الجواب بعيدًا عن النجاح عند الإحاطة بأنواع الاضطهاد الموجودة. فكما نرى مما سبق، أن افتراض أن النساء قادرات على الوصول إلى أعلى المناصب لتوفر نماذج ناجحة، هو افتراض مبني على فرضية تكافؤ الفرص. وكما نعلم أن هذا التكافؤ معدوم في مجتمع يبني اختياراته على معايير معينة مثل الطبقة، الدين، واللون، والعرق، والجنس، والميل الجنسي. لذا تركز النسوية بشكل عام والنسوية التقاطعية[5] بشكل خاص، على هذه العوامل. فالنسوية التقاطعية تربط ازياد مستوى الاضطهاد بمقدار بعد الشخص عن كونه فاتح اللون، ذكر، من طبقة وسطى أو أعلى، ومغاير، ومنتمي لدين الأغلبية.  لذا يرى القارئ للنظرية النسوية أنها ليست حركة مرتبطة بتحرير النساء فقط، بل إلى تحرير كل المنتمين إلى أقليات مهمشة ومضطهدة.
كما أن اعتقاد أن النساء قد اقتحمن جميع المجالات غير صحيح أيضًا ، فهناك مهن مازالت محرمة وغير مرغوبة للمرأة في دول العالم الثالث وأغلبها مهن قيادية في القضاء، والوزارات، ورئاسة الدول. تلعب التقاليد والأديان المحلية دورًا مهمًا في تحجيم دخول المرأة في المجالات القيادية في مثل هذه البلدان وتقل فرصها في اقتحامها في بلدان العالم الأول بسبب القوانين والبنية الاجتماعية التي تحاول تهميش النساء ليصل الرجل وحده إلى القمة.  
إن النسوية ليست حركة ناقمة منتقمة، ولا حركة تضم نساء متباكيات على اضطهادهن، ولا نظرية تجتر تاريخًا قديمًا محاولة إيجاد تفاصيل صغيرة لتغرق في محاولة تأريخية أكاديمية لا تفيد أحدًا. بل هي نظرية نشطة في الحياة اليومية تهدف لإزالة كل أشكال الاضطهاد فعلا لجميع الفئات التي همشها النظام الأبوي الأحادي، التي طالت سلطته، وقصُرت منفعته، وعُدمت إنسانيته.


المراجع:





[1] حيث تتحرر النساء من الأعباء المنزلية تماما، حيث تهتم الدولة بتخصيص دور رعاية أطفال يومية، ومطاعم، ومغاسل بأسعار رخيصة.

[2]  اكاديمية هندية وناشطة في مجال البيئة ومناهضة ضد العولمة.
[3] يطلق مصطلح النوع الاجتماعي ” الجندر ” على العلاقات والادوار الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع لكل من الجنسين ( الرجال والنساء )، وتتغير هذه الادوار والعلاقات والقيم وفقا” لتغير المكان والزمان وذلك لتداخلها وتشابكها مع العلاقات الاجتماعية الاخرى مثل الدين، الطبقة الاجتماعية ، العرق،… الخ . وبالرغم من ان هذه العلاقات متغيرة في مؤسسات المجتمع المختلفة الا ان جميع هذه المؤسسات تقاوم التغيير .
[4] فتصر الموجة الثالثة على تفرد الطبيعة النسائية عن الطبيعة الرجالي، فلا يجب التقليل مثلا من الطبيعة الجميلة ومساواتها بالرجل، فكل ينفرد بصفاته. وقد تعرضت هذه الموجة للانتقاد من قبل الكثيرات مثل جيرمين جرير التي قالت أن هذه الموجة الثالثة ترفض جميع الأهداف التي عملت على تحقيقها الموجة الثانية ، والغاء صريح لمنجزات النسوية كما أن هذه الموجة لا تنخرط في عمل سياسي حقيقي.
[5] مفهوم مستخدم في حقول الدراسات الاجتماعية جميعها يؤكد أن هناك مستويات مختلفة من القهر مبنية علة الجنس، النوع، العرق، وكل ما يكون الفرد. استخدمت النسوية هذا المفهوم كثيرًا للتأكيد أنها حركة عامة تستوعب جميع أنواع الاضطهاد لإزالة فسميت بالنسوية التقاطعية.