Tuesday, March 1, 2016

لمحة عن خارطة اليسار العربي


قراءة في خارطة اليسار العربي

قراءة مي عبد الوهاب , مراجعة ولاء عبد الله

هذة التدوينة هي قراءة في كتاب "خارطة اليسار العربي" الذي تم نشره عام 2014 من قبل مؤسسة روزا لكسمبورغ*، التي تعد من أنشط المؤسسات مناهضة للرأسمالية الجشعة. تلعب المؤسسة دورا هاما كمساحة للتفكير لصالح الحركات التي تناضل من اجل العدالة الاجتماعية والديمقراطية المباشرة بالاضافة انها تقوم على نشر الكثير من المواد البحثية والدراسات النقدية التي تهتم بتحليل البنى الاجتماعية ضمن منظومة العلاقات والمصالح المشتركة في ظل النظام النيوليبرالي الحالي. وتحاول وضع حلول بديلة وتقدمية من خلال عقد ورش عمل تقوم بالتدريب على التربية السياسية والمؤتمرات التي تخدم اهدافها الجوهرية، بالإضافة إلى ارتباطها الوثيق بالحزب اليساري في ألمانيا.

قبل ان نبدأ بتقديم قراءتنا السريعة للكتاب علينا أن نقوم بتعريف كلمة" اليسار " في سياقاتها المتعددة التاريخية والسياسية على حد سواء فكيف ظهرت كلمت اليسار بمعناها الواسع الان ؟!

الكلمة المفتاحية لـ " اليسارية او اليسار " هي العدالة الاجتماعية. و في تعريفها الكلاسيكي، هي عبارة عن مصطلح يمثل تيارا فكريا وسياسيا يسعى للعدالة الاجتماعية و المساواة بين أفراد المجتمع. ويرجع مصطلح اليسارية تاريخيا إلى الثورة الفرنسية وذلك بالتغير المتمثل بالتحول الى النظام الجمهوري. وكما هو طبيعي، تتغير وتتشعب المصطلحات مع مرور الوقت وتراكم الأحداث حيث أصبح مصطلح اليسارية يغطي طيفا واسعا من الآراء لوصف التيارات المختلفة المتجمعة تحت مظلة اليسارية، كاليسارية في الغرب تحت مسمى الاشتراكية أو الديمقراطية الاشتراكية أو الليبرالية الاجتماعية. من جهة أخرى، تندرج تحت المصطلح العام لليسارية حركة يطلق عليها اللاسلطوية التي تسمى باليسارية الراديكالية.*
يعتبر كتاب " خارطة اليسار العربي " مادة بحثية تحاول وضع اليسار العربي " السياسي" تحت المجهر ابتداءا من ظروف نشأته التاريخية والعوامل التي أدت إلى ظهوره في الساحة السياسية العربية. يتناول الكتاب تجارب ستة دول عربية -تونس، مصر , اليمن , السودان , المغرب والجزائر - كانت قد مرت بتقلبات سياسية عديدة، أهمها الحقبة الاستعمارية وبعد ذلك مراحل الاستقلال الوطني.وقد يكون هذا الكتاب نقطة انطلاق جيدة للقارىء الذي يريد اخذ فكرة مجملة ولمحة تاريخية عن النشاط اليساري (المنظم) السياسي بالتحديد. مع العلم بأن الكتاب لم يتطرق لخارطة الفكر اليساري المتمثل في التاريخ الثقافي والفكري للمفكريين العرب اصحاب التوجهات اليسارية .

يستهل الكتاب بمقدمة خليل كلفت عن اليسار العربي والثورات العربية التي حدثت مؤخراً ويضع اليسار العربي في سياقه ومجال عمله في الساحة السياسية العربية، فهو يستمد تعريفه من طبيعة علاقة تلك الدول في الإطار الاقتصادي والسياسي التبعي للدول الاستعمارية المتمثلة في الدولتين الامبيريالتين فرنسا وبريطانيا وبعض الاستثناءات مثل إيطاليا.
يتضح من الكتاب أن أهم أهداف ونضالات اليسار العربي في ذلك الوقت كانت مناهضة القوة الاستعمارية والتبعية والنداء للتحرر من تلك العلاقة عن طريق الاستقلال السياسي وطرد المحتل. بعد ذلك أصبحت النضالات تنادي بالحريات والمساوة والاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية التي مرت بها تلك دول في فترة ما بعد الاستقلال وقد عرفت المنطقة الكثير من الانقلابات العسكرية والثورات والحكم الديكتاتوري الذي قد عانى منه اليسار العربي من قمع ومنع بعض الدول تشكل ونشاط تلك الاحزاب المنتسبة لليسار.

وكانت عوامل نشأة اليسار العربي موازية إلى حد كبير لظهور الاتحاد السوفييتي والمعسكرات الاشتراكية مثل التي ظهرت تباعا في الصين تحت راية الماركسية. وكان ايضا سقوط الاتحاد السوفيتي أثر كبير على اليسار العربي كما حدث في كل الحركات اليسارية في العالم. وبعد الانكسار والفشل الذي عانت منه القومية في البلدان العربية ظهرت الدكتاتوريات الرأسمالية المعادية للشيوعية تابعة بذلك للفكر الغربي الامبيريالي وسادت ثقافة الحزب الواحد وأصبح عمل النقابات صوري لا تأثير حقيقي له. ويضيف كلفت أن واقع معارك الاستقلال الوطني بقيادة القوميات الرأسمالية في العالم العربي هي إحدى خصائص اليسار العربي التاريخية ويرى إن مغامرات الأنظمة القومية هي التي دمرت الأمة العربية وجلبت التدخلات وخاصة الاحتلال الاستعماري الأخير المتمثل بالصهيونية في فلسطين حاليا.

وأصبح اليسار العربي يشكل أحزابا شيوعية ضعيفة وهشة أيدولوجيا طبعا باستثناءات بسيطة حسب كلفت. ويضرب أمثلة كثيرة أهمها حركة القوميين العرب التي يشهد لها بامتدادات جيدة في كثير من الأحيان. في تلك الفترة، كان هدف اليسار القومي العربي هو الاستقلال على الطريقة الناصرية والبعثية. من جهة أخرى، يقول بأن اليسار انحرف كثيرا وأصبح "فلولا" للشيوعية العربية القديمة السوفيتية التي امتدت بأعمار الأنظمة القومية البعثية العراقية والسورية متمثلا بطموح بعثي في العراق اي عراق بعث صدام حسين حتى إعدامه، وفي سوريا بعث الأسد الذي ادى الي توسيع نفوذ سلطته القمعية لغير حزبه, الأمر الذي يجرد الكثير من هذة الاحزاب والحركات من صفة اليسار بالأصل.

اليسار والثورات العربية
رغم ما تحقق من تأثيرات جيدة للماركسية في مجال الممارسة العملية الثورية في كل مكان، وفي العلوم الانسانية والفكر على مدى التاريخ الى ان الالتباس والتشويش في مفهوم الثورة وطبيعتها قد أثر كثيرا على تأثير بعض الحركات اليسارية في الثورات ولم تعد المقدمات النظرية كافية لتقديم فهم عميق لمسألة الانتقالات الجديدة في تركيبة المجتمع سواء كانت سياسية أو اجتماعية على حد سواء. ولا يعني عدم الفهم أيضا بأنه العامل الوحيد إلى ما ذهبت إليه الثورات حاليا. كما يصعب الحكم على الثورات بالقول الفصل فيها إذ لا يزال الباب مفتوحا لتفاعلات مستقبلية كما أثبتت الأحداث ولا يعني الانتقال الديمقراطي بالضرورة الانتقال من اجل الديمقراطية ولا يعني أيضا انتهاء الساحة لدكتاتوريات عسكرية أو إسلامية أصولية.

ويدعو كلفت إلى الوقفات المتأنية ومحاولات إعادة النظر في طبيعة الثورة ومصائرها. ولا يستطيع أحد إنكار أن الثورات العربية حيرت الكثير من المفكرين والمحللين السياسيين بكونها ثورات، انتفاضات، تمردات الخ من التعاريف التي لا تنتهي بحسب خلفيات المتحدثين وتوجهاتهم الفكرية أو الأيدولوجية اوالغوغائية فقط.!

كان واقع المجتمع العربي قبيل الثورة باختلاف تفاصيل تجاربه مليء بالضغوطات الاقتصادية بالدرجة الأولى وقمع الحريات والاستبداد البوليسي للدولة. فقد يكون من الطبيعي أن تكون هذة المرحلة الانتقالية هي أعادة انتاج المنظومة الاستبدادية ولعل ذلك يدخل ضمن مهام اليسار السياسي والفكري في دخول الصراع من أجل الانتقال الفعلي إلى الديمقراطية مما يجعل جميع المعطيات تشير إلى أنها مهمة اليسار بحكم التكوين التاريخي للمنظومة الفكرية التي يتبناها. وقد تم ملاحظة شعارات يسارية قبيل الثورة كما في مشهد مصر على سبيل المثال متمثلاً في حركة كفاية ولا للتوريث أو الديمقراطية الاجتماعية التي هي العنوان الرئيسي لليسار التونسي وحركات الشباب اليمني مثل "شباب نحو التغير" و "ارحل" و"التحالف المدني للثورة الشبابية".ونجد في السودان ايضا حركة "قرفنا"  الطلابية التي ترفض الاوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية, وفي المغرب فكانت مطالب اليسار مختلفة فكانت المطالبة بالملكية البرلمانية هي المطلب الأول في مقدمة الإصلاحات. وفي الجزائر دخلت لويزة حنون أمينة حزب العمال اليساري المعارض إلى الترشيح الرئاسي رغم تحفظات بعض اليساريين تجاه مواقفها السياسية.

اليسارية العربية والتنوع المفاهيمي في الحراك والأهداف
يتضح لنا من قراءة تجارب الدول العربية المذكورة في الكتاب بأن التجارب مختلفة والتعاريف كثيرة وأن اليسار العربي ليس واحدا ويدخل ضمن مصالح وتوجهات مختلفة بحسب التجليات التاريخية في كل دولة وكل مجتمع، لذلك يجب التميز بين اليسار المتمثل في العمل السياسي الحزبي التنظيمي البحت الذي يشمل عدد كبير من التيارات السياسية وبين الحركات الطلابية والائتلافات التي تدعو للنشاط من أجل العدالة الاجتماعية من خلال عقد لقاءات فكرية توعوية والذي يعبر عنه فئة المثقفون والفنانون.
ونلخص من هذة القراءة لخارطة اليسار العربية بأن اليسار يتكون من توجهين الأول يخلط بين اليسار والشيوعية ويعد التأصيل الأيديولوجي الماركسي للأحزاب والمناضلين هو المحدد الوحيد ليساريتها, وأما التوجه الاخر الذي يرفض بشدة ارتباطه بالشيوعيين بسبب المنهج الفكري الذي يرتكز على الشمولية الذي كان متمثلا في الحكم السوفيتي الستاليني الذي اعتبره البعض خيانة لمبادئ الاشتراكية الحقيقية. مرورا أيضا باليسار الاجتماعي العروبي (القوميين العرب) واليسار الاجتماعي واليسار الديمقراطي.
وأخيرا، تعبر الحركات اليسارية عن تاريخ معقد وثري بالأفكار وتظل تفاصيل التجارب المعروضة وأشكال الصراع يمثلان دروسا في كافة المجالات من علوم اجتماعية وصولا بعلوم السياسة، إذ تعبر تلك الحركات عن عمل انساني في إبداع تصورات لبناء منهجيات قادرة على هزيمة الأنظمة التسلطية التي تقف امام الحريات. يمكن اعتبار اليسار نوع من أنواع المقاومات التي انتجتها البشرية على مدار التاريخ وتضحية من أجل ازالة جميع اشكال الهيمنة وإن كانت تنادي بنفس الشعارات اليسارية .!





* روزا لوكسمبورغ تم التعريف عنها في مدونة سابقة
* اhttps://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%8A%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9