Sunday, April 10, 2016

جمهورية الفلاحين .. ثورة لبنان التي نسيها التاريخ ..




قراءة علاء بامطرف, مراجعة مي عبد الوهاب

جمهورية الفلاحين .. ثورة لبنان التي نسيها التاريخ ..
أحد أهم أجزاء الأدب هو قدرته على تجاوز التاريخ  الرسمي أو روايات المنتصرين وتحويل إرث الحكايات الشعبية والأساطير إلى أعمال أدبية, هذا مافعله رمزي توفيق سلامة في روايته  جمهورية الفلاحين , و التي أراد توفيق من خلالها  أن يصور الثورة التي قام الفلاحون بها في جبل لبنان عام 1859 وهو أحد أحفاد الثوار ناقلاً صورة يومية لماقبل الثورة وحتى حدوثها وانتهاءها .
تبدأ الرواية في قرية كفر ذبيان  أحد قرى جبل لبنان والتي تقع تحت الحكم الإقطاعي , في فترة كان الجبل يتمتع بحكم ذاتي دون تدخل الدولة العثمانية آنذاك , ووسط تدخلات غربية بغرض حماية الأقليات , تهيمن طائفتان على الديموغرافية السكانية وتتقاسم جغرافية الجبل :  المارونية والدرزية.
كفر ذبيان تقع  في الجزء الماروني من الجبل حيث ثار الفلاحون على أسيادهم الإقطاعيين والذين ينتمون لنفس طائفتهم المارونية , تصف الرواية منذ البداية مشاهد العنف الطبقي الذي يمارسه الإقطاع  على الفلاحيين من خلال سرقة الأراضي و الضرائب المتزايدة , إلى مناظر الإضطهاد اليومية .
تبنى حكاية  الرواية من خلال شخصية محورية , هي شخصية إلياس موظف السفارة الفرنسية في بيروت , وهو أحد أبناء حميد أحد البائعين الرحل في كفر ذيبان , لكن الياس يترك عمله في بيروت ويعود   إلى القرية إثر حادثة مقتل أخيه وخطيبة أخيه على يد أحد الإقطاعيين ظلماً ودون أي إمكانية للجوء للعدالة , عاد ليكتشف أن أخوه كان قائد مجموعة من شباب الفلاحين في قريته  الناقمين على الوضع , وليحل محل أخيه في الحركة المولودة , ووسط صراع آخر تولد بين الإقطاعيين  وحاكم الجبل , حيث أراد الإقطاعيون عزل الحاكم للإستيلاء على كامل الضرائب, تمكن الثوار الشباب من شق طريقهم وإقامة علاقات مع القرى الأخرى حيث اكتشفوا أن الكيل فاض على الجميع وأن في كل قرية مجموعة تنتظر الوقت للوثوب وفعلاً تشكل المجلس من قيادات كل قرية وسمي ممثل القرية : شيخ شباب , وظل عمل اللجنة في السر دون أي إعلان .
إندلعت شرارة  الثورة في ردة فعل على مافعله أحد الإقطاعيين في السوق من إسائة للبائعين فلم يحتمل الناس وهاجموا الإقطاعي وأصدرت اللجنة قراراً بالتحرك في جميع قرى كسروان ضد هيمنة الإقطاع  وفعلاً لم تلبث الثورة أن اندلعت وتم طرد الإقطاعيين من بيوتهم ونفيهم والغاء امتيازتهم والإستيلاء على ممتلكاتهم بعد رفضهم مطالب الفلاحيين الفقراء, و الأسلحة التي استخدمها الثوار كانت بقايا من حملات سابقة أو من أسلحة الإقطاعيين القديمة .
 تحكي الرواية عن أن الكنيسة اتخذت مركزاً محايداً في البداية نظراً لأن أغلب الأباء ينتمون إلى طبقة الفلاحين وعموم الشعب, ويروى في الحكايات الشعبية التي نقلتها الرواية أن البطريرك كان يحمل حقداُ على الإقطاعيين بسبب إذلال تعرضت له والدته في الكنيسة من سيدة إقطاعية, عامل مهم آخر جعل الكنيسة تبقى في موضع المراقبة وهو أن الإقطاع كان سلطة لها نفوذ أكثر من الكنيسة .
في بداية الثورة اتخذت كافة الأطراف موقف المراقب, سواء الكنيسة أو الدولة العثمانية , أو السفارات الأجنبية , وجاء انتصار الفلاحين سريعاً وقوياً فلم يعد للإقطاعيين وجود في قرى كسروان .
طانيوس شاهين قائداً للثورة ..
ظهر طانيوس شاهين كقائد  حيث استلم قيادة الثورة و وقد بدا طانيوس في الرواية دون شكل محدد لشخصيته وهذا يعكس الروايات التاريخية عنه في الحقيقة فلم تتفق عليه الأقوال, من الذي اعتبروه ثورياً جاء على حذو الثورة الفرنسية  إلى الذين اعتبروه مجرد قاطع طريق, استلم قيادة الثورة وقادها إلى الإنتصار على الإقطاعيين معلناً قيام جمهورية الفلاحين في كسروان كأول جمهوريات الشرق .
لكن ما إن تطور الوضع حتى أبدت الكنيسة قلقها من تطور الأوضاع بشكل سئ مما سيحتم تدخل الدولة العثمانية  وخسارة الحكم الذاتي للمسيحين الموارنة في الجبل,  و أبدت  السفارات أيضاً قلقها من تطور الوضع حيث سيؤثر بشكل واضح على السياسة الدولية .
و رغم أن الإقطاعيين هزموا وبدأت الجمهورية الصغيرة تفرض سيطرتها, إلا أن المعركة كانت تدار بشكل أكبر فالإقطاع لم يكن ليسلم بهذه السهولة وعاد محاولا التحالف مع الإقطاع الدرزي في الجهة الأخرى من الجبل وتخويف الدولة العثمانية من أن الجمهورية ستكون مثالاً يحتذى به في باقي الأماكن .
استمرت الجمهورية لعام كامل بين الفوضى التي كان الإقطاع يدعمها من بعيد كشكل من أشكال الثورة المضادة, وكانت عينا الياس تتابع كل هذا  بمشاعر متضادة بين شعور الإنتصار الثوري على الإقطاع وشعور مشاهدة الثورة تتجه نحو الهاوية. لكن النهاية كتبت حين اندلعت أحداث طائفية بين الدروز والموارنة في إحدى القرى المشتركة ويروى  أن العراك كان في البداية بين طفلين أحدهما درزي والآخر ماروني ثم تطور الوضع إلى تدخل العائلة  ثم الطائفة ثم تطور الوضع إلى عراك دموي  نتج عنه لجوء الموارنة إلى الأماكن التي تتبع للجمهورية الناشئة لكن الأحداث الطائفية إشتعلت في كل الجبل منهية بهذا حلم الجمهورية الناشئة .
لتطال المجازر البشعة جميع أنحاء الجبل, عرفت لاحقاً بأحداث 1860 والتي نتج عنها فصل لبنان عن سوريا وإرسال قوات مراقبة فرنسية وعرفت الأحداث بأنها كانت علامة فارقة في التاريخ الحديث للمنطقة حيث صار التقسيم الطائفي هو السمة الرسمية للتقسيم السياسي والإجتماعي والطبقي .


جمهورية الفلاحين كعمل أدبي ..

الرواية كانت خطابية بشكل أكثر من اللازم مع تحميل الشخصيات أكثر مماتحتمل في بعض  المواضع , لكنها وفقت في بناء تسلسل درامي للأحداث إلى النهاية .
تمكنت الرواية  من نمذجة هذه الثورة الصغيرة بداية من الغضب الشعبي القادر على إزاحة كل من يقف في طريقه, هذا الغضب الذي تجاوز مشاعر الطائفة أو سؤال الدين  إلى الثورة المضادة التي قام بها الإقطاع الماروني والدرزي على حد سواء والتدخلات الخارجية ممثلة بالدولة العثمانية والسفارات والكنيسة حيث انتظر كل واحد من هؤلاء الحلول بشكل أو آخر مكان الإقطاع, نهاية بالأحداث الطائفية التي قضت تماماً على أحلام الفلاحين بقيام جمهوريتهم العادلة.