Tuesday, May 3, 2016

نقد الفكر اليومي


قراءة في كتاب نقد الفكر اليومي
د.حسن حمدان

قراءة مي عبد الوهاب

نبذة عن الكاتب:
يصادف هذا الشهر ايار/مايو ذكرى اغتيال المناضل لأجل  الإنسان  حسن حمدان أو  المشهور (بمهدي عامل) هو مفكر وفيلسوف لبناني اشتهر بفكره الثوري التقدمي(العملي) على نموذج كارل ماركس, مهدي عامل لم يكن مفكراً تنظيرياً فقط بل امتد عمله المعرفي إلى الساحة النضالية والسياسية. من أبرز  ما يميز عمل مهدي هو ربطه الدائم بين مفهوم الثقافة والعمل على أرض الواقع من خلال التثوير على كل ما هو مسيطر " في ضرورة أن يكون المثقف ثائراً او لا يكون!" قام بوصفه الكثيرون بغرامشي[1] العرب رغم التحفظ على التشبيه ولكن يعود ذلك للسبق التاريخي والاشتراك في الفكر والمنهج الماركسي.

محاولة منا لإحياء ذكرى احدى رموز الفكر النضالي قمنا بقراءة سريعة لكتابه الاخير "نقد الفكر اليومي" الذي كان آخر محطات قلمه والذي لم يكتمل بسبب الاغتيال, وقد بدأ حسن كتابة هذا الكتاب في مطلع الثمنينيات لكنه توقف بسبب حصار لبنان والحرب الطائفية واشتغاله بكتابه الاخر "في الدولة الطائفية" ثم عاد إليه لاحقا.
قام مجموعة من اصدقائه وطلابه بجمع الكتاب وترتيبه وذلك حتى يقام نشره والاستفادة من افكاره وان لم يكتمل بعد.

 فكرة الكتاب قائمة على عدة نصوص و اّراء مختلفة وردود أفعال , كانت تنشر في الصحف اليومية والمجلات الشهرية التي تعنى بالثقافة والفكر من قبل كتاب أمثال أدونيس, موسى وهبه, رضوان السيد الخ.. من كتاب تلك الحقبة فأراد مهدي نقد هذا النوع من الكتابة والتحليل السريع المبسط وهذا ما أسماه فكرا يوميا(وهو ما يشبه كثيرا اليوم وسائل التواصل الاجتماعي بالاضافة الى الصحف بطبيعة الحال) وحاول ان يكشف عيوب ذلك النمط من الكتابة وطريقة التحليل كونه لا يعبر عن التعقيد الحقيقي للأحداث بل إنه كان يختزل الصراعات بتعليقات بديهية تزيف بها الوعي العام وتخلق نوع من التطبيع العدمي لمشاكل الانسان اليومية فيصبح الفكر هشا لا يواجه مسؤولية النقد والتحليل الصارم للامور. ولا نخفي على من يحاول قراءة هذا الكتاب بأنه لن يواجه مادة بسيطة, فطريقة مهدي في الكتابة وترابط الافكار الكثيفة تحتاج لتركيز كبير لا نستطيع القول باننا قد استطعنا فك شفرات الكتاب حقا فهو يحتاج للقراءة المتأنية المتكررة.

تدور أهم  الأفكار الرئيسية التي تضمنها الكتاب أو  ما أسماها البعض معارك على عدة توجهات في الحقل الايديولوجي. اولها اصحاب التوجه العدمي في طريقة التفكير والتحليل ويسمي فكر أصحاب هذا التوجه بالفكر الذي يريد لنفسه دائماً موقع الصفر ويلغي التناقض ويضع القاتل والمقتول في أرضية واحدة! إذ النقد من موقع اللاموقع ليس نقدا ويشبه هذا النوع بالفكر الديني الجامد كما في النص التالي"من موقع رفض التاريخ, ومن خارج دائرة زمانه اي من موقع "القدسي", هذا الذي هو في التاريخ موقع الفكر الديني وموقع فكر عدمي هو فكر ديني مقلوب, يلغي الله ويستبدله بالصفر الكلي, وينظر في التاريخ بعين الله الملغي, من موقعه في المطلق. لا يتغير شيء باستبدال المطلق بالمطلق, فمن موقعه ينظر في التاريخ الفكر العدمي, وينظر فيه الفكر الديني فيختلط الاسود بالابيض, سواء بسواء, تلغى الاضداد, ويبقى القدسي, العدم, المطلق, وهم بالطهر, ومهزلة الفكرين في مقاربة للتاريخ تلغي التاريخ, ورفض للسياسة يؤكدها."

ثانيا تجده ينتقد كثيرا وبشدة ثنائية الأنا والاخر وأغلب  الثنائيات المتمثلة مثلا في الشرق والغرب ! العرب والعجم الاسلام ودار الحرب, الخارج والداخل الخ.. من منطق الثنائيات. وسيلاحظ القارىء هذا التوجه يتكرر كثيرا في اقتباسات الكاتب لعدة نصوص تنقد المنهج الماركسي  بحجة أنه لا يمثل النموذج الإسلامي الشرقي وأن  ظهوره في اوروبا يجعله لا يصلح للتطبيق في دول الاسلام,وايضا لأنه مبني على أسس نبذ الدين بحسب تعبيرهم وأن  الماركسيين العرب يحاولون عبثاً جلب الأفكار التغريبية للعالم الإسلامي العربي. ويرى مهدي في هذه  النوعية من النقد هشاشة فكرية, ثم إنها  لماذا لا تعمم على كل العلوم؟ لطالما هي من فكر الغرب نفسه وثم إن  تلك الايدولوجية الاستعمارية هي التي اقامت الفصل بين الشرق والغرب كفكرة الفصل بين الروح والجسد مثلا ومنطق الذات و الآخر هذا هو نمط تفكير مستورد اذن من الخارج! ويحاول أيضاً  الفكر البرجوازي المتأسلم الغاء الواقع المادي باستبدال العامل الغيبي فيه والغاء الصراع الفعلي التاريخي فيه وبالتحديد تغييب العامل الاقتصادي المتمثل بعلاقات الإنتاج  التي يراها مهدي بأنها  محددات البنى الاجتماعية والصراع الطبقي ويرفض مهدي اختزال المشهد العربي الاسلامي فقط بالعامل الايديولوجي /الديني الفوقي كما يفعل هولاء النقاد, كما يرفض وصف هذا العامل الديني بأنه المحرك الأول  للبنية الاجتماعية العربية الاسلامية حيث يدعو لتفكيك العوامل الاجتماعية والتفريق بينها ويرفض التراتبية أي  بوضع عامل اهم من الآخر  وهكذا.. ولكن يقول بتوزيع العوامل في فضاء البناء الاجتماعي ووضع العامل المحدد أي عامل "علاقات الإنتاج " في خانته المادية التاريخية حتى نستطيع تحليل علاقات السيطرة في هذا البناء الاجتماعي. وينتقد الإصرار الدائم على تغييب العامل الاقتصادي  ويخص بذلك مرة أخرى  الطبقة البرجوازية المسيطرة في الكتابات العربية واستبدالها دوما بالعامل الغيبي أي الايديولوجي الديني وتعقيبا على ذلك يقول" ذلك أن  الكلام على نسق "رأسمالي" لا يمكن ان يقابله كلام على نسق "شرقي" يقابله, مثلا كلام على نسق إقطاعي أو استبدادي أو غيرهما من أنساق ما قبل الرأسمالية التي نجدها منتشرة في مجتمعات غير اوروبية. فتحديد النسق بأنه رأسمالي هو تحديد "اقتصادي" صالح له في الشرق كما الغرب هو ببساطة نمط تاريخي محدد من الإنتاج  بحسب شروط المجتمع وجميع تلك المسائل يمكن طرحها ومعالجتها في اطار مادي تاريخي. فالأمور بالنسبة للفكر الغيبي تندرج في واحدة من خانتين إما ذات وآخر .تحديد التبعية على قاعدة تغيب الاقتصادي الذي بتغيبه يتماسك هذا الفكر الغيبي ويتسق. والاقتصادي المغيب هذا هو بالضبط نمط الإنتاج  الرأسمالي الذي تم استبداله بالغرب, فلم يعد للتبعية, بهذا معنى العلاقة بين نمطين أو أكثر من الانتاج يسيطر منها واحد على الآخر في شروط تاريخية محددة, أو  بين  أشكال مختلفة من نمط الانتاج الواحد الذي هو نمط الإنتاج  الرأسمالي. لم يعد للتبعية في تعبير اخر, أساس اقتصادي هو الذي تقوم به, بل صار معنى العلاقة بين حضارتين او ثقافتين. واحد هو الغرب والآخر هو الإسلام . إ   نها  بالعكس علاقة تعايش في البنية الاجتماعية الواحدة أي علاقة تعايش بين أنماط  مختلفة في وحدة النظام الرأسمالي العالمي, أي  وحدة العلاقة الامبريالية, من حيث هي علاقة بنيوية يحكم تطورها قانون تفاوت التطور, بين بنيتين متميزتين, أو شكلين متميزين من علاقات الإنتاج  الخاصة بنمط الإنتاج الرأسمالي الواحد:شكل امبريالي وشكل كولونيالي."[2]

نستشف من هذة النصوص للكاتب التعقيد الواضح! ولكن لا يخفى علينا بأنه حاول كثيراً أن  يخلق فضاء مفاهيمي عربي للماركسية مع كونية النظرية الماركسية كما أصر  أن يسميها. وقد شكلت كتابات مهدي منعطفاً  مهماً في تاريخ الكتابة الماركسية العربية حيث قام بإعادة إنتاج  أدوات تحليلية تقدمية جديدة ينبغي علينا إعادة  قراءتها قراءة نقدية واعية وتجديدها لعلنا نوفق في خلق  تغيرات جديدة في طريقة فهمنا للظواهر الاجتماعية  في ظل الصراع المحتد في المنطقة والعالم سواء .

وقد ترك لنا الشهيد مهدي الصفحات الاخيرة من كتابه هذا نصف فارغة والتي تعد متابعة لكلامه "على عدم وجود نمط معين من الإنتاج  يمكن تمييزه بأنه نمط انتاج اسلامي" لتكون المهمة الآن على الأجيال الجديدة في إكمال ما ناضل من أجله , وفي تقديم فكر تقدمي جديد يدخل في غمار الصراعات الطبقية بشكلها الجديد.










[1] أنتوني غرامشي: هو مفكر  ايطالي ماركسي اعتنى بدراسة الثقافات المسيطرة او المهيمنة ضمن فلسفة البراكسيس " الممارسة والنظرية" انظر

[2]  انظر كتاب "في نمط الانتاج الكولونيالي" للكاتب نفسه لمزيد من التفصيل حول طبيعة العلاقة الامبريالية

No comments:

Post a Comment